كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 5)

أسروه، وخيب الله ظنهم فيهم، إذ رجوا ما عند الناس، ولم يرجوا ما عند الله، ورضوا بنصرة الطاغوت، وتركوا نصرة الله تعالى، وهنا نتكلم في أمرين: أولهما - معنى الندم على ما أسروه، أن الندم في هذه هو الظن الفاسد الذي وقعوا فيه، وخيبة الأمل فيما يرجونه، فليس ندمهم كندم التائب الذي يرجع إلى الله، وإنما ندمهم كندم المغيظ المحنق الذي كان يتوقع - أمرا فتبين له غيره.
الأمر الثاني - أن الله عبر عن ندمهم بالوصف لَا بالفعل للإشارة إلى أن هذا الندم حال دائمة مستمرة تتضمن الحسرة والغيظ، والألم المستمر.
* * *
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ... (53)
* * *
ذكرنا ما حكاه الله عن المنافقين وضعفاء الإيمان، وفي مقابلة قول الأولين مرضى القلوب الذين استولى عليهم اليأس من رحمة الله تعالى، كان ما قاله أهل الإيمان قبل النصر وبعده، فقبله كان الرجاء يغمرهم، وبعده كان الفرح يملؤهم، وينددون بحال مرضى القلوب، ويستنكرون فعلهم فقد حكى سبحانه استنكار حالهم بقوله:
(أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) أي هذه حال أولئك الذين أقسموا بالله بأقصى طاقة ما عندهم من إيمان، أنهم لمعكم، أي أن هؤلاء مرضى القلوب أعلنوا مقسمين بأقصى الأيمان، بأن يكونوا مع المؤمنين والرسول في ولايتهم ونصرتهم، ومعاونتهم، وقد أكدوا ذلك بعدة تأكيدات بأقصى الطاقة في القسم وتوثيق الكلام، وأكدوه بـ " إن " وبـ " اللام " المؤكدة، ومع هذه التوكيدات ما كانوا صادقين، بل كانوا خادعين، لأنفسهم وللمؤمنين، كما قال سبحانه: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهمْ وَمَا يشْعُرُونَ).
ولا يمكن أن ينجح من يكون هذا شأنه، ولذا قال سبحانه:
(حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأصْبَحُوا خَاسِرِينَ) تحتمل أن تكون هذه مما حكاه الله تعالى عن المؤمنين، ونميل إلى أنها من كلام الله تعالى، وهو حكم الله تعالى عليهم بثمرة ما كان من فساد قلوبهم، وهو إن ما يتوهمونه وما يعملون على

الصفحة 2246