كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

المنسوبة للتابعين؛ فإنه قد حدث في عهد التابعين أمران كانا سببا في دخول كلام في تفسير القرآن ليس منه، ولا مقتبسا من روحه:
أولهما - دخول كلام من بني إسرائيل إلى العلم الإسلامي ونسبوه إلى التابعين على أنه من أقوالهم، وقد روى أن بعض من ينسبون إلى صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - استهواه ما عند اليهود، فنقله، حتى إنه ليُروى أن عبد الله بن عمرو بن العاص، نقل في غزوة اليرموك حمل راحلتين مما عند اليهود، وتسرب إلى العقل الإسلامي ونسب إلى بعض التابعين، بل إلى بعض الذين لهم صحبة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يكونوا من الرعيل الأول الذي حمل علم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما زال العلماء في هذا يعانون الكثير، مما اختلط بالتفسير من الإسرائيليات، ومحاولة رحض (¬1) التفسير منها، كما يرحض الثوب الأبيض الناصع من الأقذار التي علقت به.
وإذا كان اليهود عجزوا عجزا مطلقا عن أن يعبثوا بالقرآن كما عبثوا بغيره، فإنهم أتوه من ناحية تفسيره، ولكن ذلك لَا يَمَسُه، بل يَمَسُّ العقول التي لَا تمحِّص ولا تدرك، ولا تحكم بقرآن، ومقاييس العقل؛ ولذلك بقي النبع الإلهي الصافي يدركه من يتأمل ما أحيط به فينبذ الزيف، ويدرك الجوهر الصافي.
ثانيهما - أنه في عهد الأمويين، وهو عهد التابعين، وجد من النصارى الذين كانوا في حاشية الأُمويين من يعملون على بث الروايات الكاذبة حول القرآن، وينسبونها للتابعين، كما نرى في القصة المكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زواجه بالسيدة أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنه -، فقد ادعى النصارى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى زينب في حال أثارت عشقه، فأمر زيدًا أن يطلقها، وأن يتزوجها، وبث هذا الادعاء فيهم يوحنا الدمشقي الذي كان في خدمة الأمويين وراجت هذه الأكذوبة التي لَا أصل لها إلا إفك هذا الأفَّاك، ونقلت عن بعض التابعين، وفسر بها قوله تعالى: (وَمَا
¬________
(¬1) رَحَضَ - من باب منع - الثوب رَحْضا، ورُحوضا: غسله فهو راحض، والمفعول مرحوض ورحيض [الوسيط]. والمقصود: تنقية كتب التفسير مما علق بها من الأقوال غير الصحيحة، والوجوه غير المحتملة.

الصفحة 26