كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 6)

ليست الجنة دار ابتلاء، إنما الأرض هي دار الابتلاء التي يتنازع فيها الخير والشر، والحق والباطل، والبر الفاجر، وهي دار الابتلاء فيها تتجلى عداوة إبليس ومن معه لابن آدم وذريته؛ ولذا أخرج آدم من الجنة ومعه زوجه، وأخرج إبليس مذءوما مدحورا قال الله تعالى: (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُو) اهبطوا جميعا بعضكم لبعض عدو، فإبليس عدو لآدم وزوجه وذريتهما من بعدهما، ويكون بعض هذه الذرية لبعضهم عدوا لإغواء الشياطين، فالشيطان عدو لبني آدم، وبإغوائه يكون بنو آدم بعضهم لبعض عدو.
ولكم أيها المذنبون وذريتكم فيها مستقر أي موضع استقرار ومتاع، تنتفعون بخيراتها وكل ما فيها أو ينتفع بعضكم، وكل ذلك إلى حين أي زمن محدود.
ثم بين الله تعالى حال الناس في الدنيا فقال تعالت كلماته:
* * *
(فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)
* * *
والمعنى فيها تعاقب الأحياء بعضهم من ذرية بعض، والأحياء يموتون ويخلفهم أحياء من بعدهم، والأموات يبعثون من قبورهم ثم تكون القيامة، ويجازى المحسن إحسانا والمسيء الذي أطاع الشيطان، يناله عذاب أليم، والله ولي المؤمنين الصادقين.
ما بين قصة خلق الإنسان في سورة البقرة وقصته هنا يبدو بادي النظر وظاهره، أن القصة هنا هي بحذافيرها المذكورة أولا في البقرة، وأن ذلك تكرار في القرآن. ونحن نرى أن كون الله خلق آدم، وأمر الله الملائكة أن يسجدوا، وامتناع إبليس عن السجود وطرده وهبوطه هو وآدم وزوجه من الجنة، مذكور في القصتين، ولكن كان الاختلاف فيما وراء ذلك فذكر في إحداهما ما لم يذكر في الأخرى ومجموعهما يأتي بالقصة متكاملة الأجزاء، فيما تعرضت السورتان له، الثمرة من ذكر القصة مختلف في كل واحدة عن الأخرى.
أولا - أن قررت أن ثمرتها عداوة إبليس لآدم من أصل التكوين، وحذرت الإنسان من أثر هذه العداوة، وبينت الآية الكريمة ما يترتب على هذه العداوة،

الصفحة 2801