كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

أعطانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا كتمه عن الناس إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه " (¬1).
(د) إن عبارات القرآن تدعو إلى فهمه فقال تعالى: (وَمَن يُؤْتَ الْحكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا. . .)، فقد قال فقهاء السلف إن الحكمةَ هي فهم القرآن، وإذا كان فهم القرآن خيرا كثيرا، فإنه سبحانه يدعو القادرين على الفهم للبحث والتأمل والنظر في الآيات وفهمها.
ولقد قال تعالى: (. . . وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ. . .)، وفي هذا دعوة إلى الاستنباط، واستخراج المعاني العميقة، كما يستنبط الماء من الآبار، وفيه إشارة إلى وجوب تعرف معاني القرآن بالفهم بصحيح كما يتعرفونها بالآثار الصحيحة، فهما طريقان مستقيمان، فمن منع أحدهما فقد خالف العقل والنقل.
(هـ) إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما بالفهم في القرآن فقال: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " (¬2) وليس التأويل إلا فهم مرامي العبارات والمآل والمكان للمعاني التي تشتمل عليها ألألفاظ وجمل القول. ولو كان التفسير مقصورا على ما ورد من أقوال النبي لقال عليه الصلاة والسلام: " حَفِّظْهُ ".
والغزالي لَا يقف في استدلاله عند تأثير التفسير بالرأي، بل ينقد أدلة الوقافين الذين يقفون عند المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين لَا يعدونهم - وينقدهم من وجوه:
أولها: أنه لكي يصح الوقوف على تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون كل ما نأخذ به من تفسير مسندًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو ثابتا بالضرورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
¬________
(¬1) أخرجه البخاري - كتاب العاقلة - باب: الديات (03 69). وبنحوه عند مسلم - كتاب العتق (1370) وكذا رواه الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وأحمد.
(¬2) أخرجه أحمد: كتاب: مسند بني هاشم - باب: بداية مسند عبد الله بن عباس (2874 - 3932) وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

الصفحة 33