كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 6)

وبين الله سبحانه وتعالى ما يقوي أنه أذن خير، فقال: (يُؤْمِن بِاللَّهِ) وهذا تعريض بهم بأنهم لَا يؤمنون بالله، فهو يؤمن باللَّه حق الإيمان، ويذعن لله حق الإذعان، لَا أن يفتري ويوثق افتراءه بإيمان تدل على ما يدينهم ولا تبرئهم، ويقول تعالى: (وَيؤْمِن لِلْمُؤْمِنِينَ) أي يسلم للمؤمنين ويصدقهم، وهذا أيضا تعريض بهم، فهو يسلم للمؤمنين ويصدقهم لأنهم مؤمنون، ولا يؤمن لكم ولا يصدقكم لأنكم منافقون، فلا تحسبوا سماحته لكم تصديقا، وإنما سماحته لكم رفق في الدعوة، وتلطف بكم عسى الله أن يجعل منكم من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويخلع نفسه من النفاق وأهله، وقد عدى البيان القرآني بالباء في قوله تعالى (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ)، لأن الإيمان بالله معناه التصديق والإذعان، والتصديق يتعدى بالباء.
وتعدى باللام في قوله تعالى: (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)؛ لأن الإيمان فيما يتعلق بالمؤمنين معناه التسليم لهم، وقبول قولهم، مثل قوله تعالى في الإخبار عن كلام إخوة يوسف: (. . . وَمَا أَنتَ بِمؤْمِن لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)، وقوله تعالى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذرِّيَّةٌ من قَوْمِهِ. . .)، وقول الكفار لنوحٍ: (. . . أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَبَعَكَ الأَرْذَلُونَ).
وقوله: (وَيُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِينَ) فيه تعريض لهم بأنه عليه السلام لَا يقبل قولهم، لأنهم ليسوا بمؤمنين، وإن رفق بهم وتلطف في القول، فالرفق شأنه، ولكن لَا يدل على ما ظنوه من أنه يقبل كل كلام ولو كان كلامهم.
ثم يقول تعالى: (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالعطف على (أُذن خَيْرٍ) وقرئ بالجر (¬1)، أي رحمة للذين آمنوا منكم.
والمعنى على قراءة الجر، هو أذن خير لكم، وأذن رحمة للذين آمنوا منكم.
¬________
(¬1) قراءة (ورحمة) بالجر قراءة حمزة، وقرأ الباقون بالضم. غاية الاختصار (959).

الصفحة 3352