كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

هؤلاء هم الذين عفا الله عنهم، وهذا أحدهم لقد تاب فعفا الله عنه وصار من الشهداء الصديقين، وأسند سبحانه العفو والعذاب إليه سبحانه تعظيما لمقام العفو، وتهديدًا بأهل العذاب، ولقد بين سبحانه العذاب، بقوله تعالى: (بِأَنَّهُم كانُوا مُجْرِمِينَ) الإجرام الذنب الكبير الذي يكون له جِرم، وتفعله الجوارح، وتكتسبه النفس، وقد أشار سبحانه إلى أنهم مستمرون على إجرامهم ولم يتوبوا، ولذلك يتأكد إجرامهم واستمرارهم عليه، وعدم انخلاعهم منه، فقد أكد الإجرام بالجملة الاسمية، و (أن) الدالة على تأكيد ما بعدها، و (كان) التي تؤكد القول، وتدل على استمراره.
أحوال المنافقين وصفاتهم
وقد بين سبحانه صفات المنافقين الذين لَا يرجى إيمانهم، فقال تعالت كلماته:
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)
إن المنافقين ينعزلون عن الجماعة المؤمنة، فهم في نفرة عنهم، ويكونون أنفسهم جماعة موحدة يجمعها فكر عام موحد يناقض الجماعة العامة التي يعيشون فيها، فلا يرضيهم ما يُرضي الجماعة بل يخالفونها، ويناقضونها فيما تفكر وفيما تعمل، فقد عزلوا أنفسهم عنها، فإذا كانت الجماعة العامة متضافرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم عكسوا، معروفهم منكر عند جماعة المؤمنين، ومنكرهم هو المعروف، ولذا قال تعالى:
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضُهُمْ مِّنْ بَعْضٍ) أي أنهم كل متصل الأجزاء، ولايتهم واحدة وتناصرهم واحد، وفي هذا تكذيب ليمينهم الكاذب فيما نقله سبحانه عنهم (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ. . .)، وهو تأكيد لما قاله سبحانه في نفي أنهم منكم.

الصفحة 3362