كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أنهم متضافرون في أسرهم، فأسرهم في الجملة منافقة، ولذا ذكر سبحانه وتعالى المنافقات مع المنافقين، وقال تعالى: (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)، أي أنهم لُحْمة متصلة يتغذى بعضهم بلبان النفاق من بعض، فهم بيئة واحدة يغذيها لبن النفاق، أو بالأحرى سُمُّه.
وقد ذكر سبحانه أحوالهم:
أولاها: أنهم ينشرون الفساد في الفكر والعمل، فلهم رأى عام يخصهم يسوده الفساد في النفوس والأخلاق، يشجع الرذيلة ويتهكم على الفضيلة، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: (يَأمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) يشجعون كل ما هو شر، ويمنعون كل ما هو خير، معروفهم منكر، ومنكرهم هو المعروف، وهكذا يقضى الله على بعض الجماعات الإنسانية بالشر، كما نرى الآن من منافقي عصرنا، فعدلهم ظلم وحريتهم اعتداء، وشوراهم استبداد.
الثانية: أنهم غير متعاونين في ذات أنفسهم، وفي جماعتهم فلا ينفقون في خير قط، والشح يستولي على نفوسهم، ولا يجعلون أنفسهم في وقاية منه، بين تعالى في ذلك الوصف بقوله تعالى: (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) القبض ضد البسط، وقبض اليد غلها عن الإنفاق، فعبر عن عدم الإنفاق في موضعه بقبض اليد، كما عبر عن الإنفاق في موضعه ببسط اليد، كما قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ. . .).
الثالثة: أنهم ينسون الخير نسيانا، فإذا ذكر لهم الخير تهكموا بصاحبه، وقالوا مستهزئين متهكمين بمن يتكلم في الفضيلة، وهذا عبر الله عنه بقوله: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي نسوا الله تعالى فلا تذكره قلوبهم، ولا تطمئن به، إن القلوب إذا نسيت الله لَا تطيع أمره، ولا تجتنب نواهيه، ونسيان الله تعالى ألا يوفقهم لخير، وأن يجعلهم منغمسين في الشر الذي اختاروه والضلال الذي أحيط بهم.

الصفحة 3363