كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
* * *
بين الله تعالى في الآية السابقة العقاب الشديد الذي يستقبل الكافرين، وخص المنافقين بالذكر، لأنهم كفار أخساء لؤماء، مفسدون، ثم بين سبحانه وتعالى أن ذلك العذاب قريب وليس ببعيد، وأنه أصاب الذين من قبلكم، فقال مقربا لعذابهم ممثلا له بعذاب من سبقوهم، فقال:
(كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) الذين سبقوكم بالكفر والطغيان، والخطاب للكفار والمنافقين، وإن ذكرهم وقد فَنوا يومئ إلى أنهم سيكونون مثلهم في فناء، وأن الحياة الدنيا التي آثروا متعها فانية، وقوى ذلك المعنى المشار إليه بقوله تعالت كلماته: (كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا) كانوا في قوة غزت الأقاليم وفتحت البلاد ودانت لهم رقاب العباد، وسيطروا على الأرض، كان عدد الملأ من قوم فرعون كثيرا، والأموال من الزرع والثمار والسائمة، تجري في أيديهم، فأنى يكون عددكم بجوار عددهم، وأموالكم وأنتم بواد غير ذي زرع بجوار أموالهم، ومع ذلك حسبوا الحياة كل شيء ففنوا مع فناء حياتهم الدنيوية.
قوله تعالى: (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم الذي خلقه الله تعالى لهم، استمتعوا بهذا النصيب، وحسبوه الحياة، ولا حياة بعدها، وتحكموا واستكبروا، وقال الطاغوت الأكبر فرعون - ومن شابهه -: (. . . أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي. . .)، وسرتم سيرهم، فحسبتم أن الدنيا هي الحياة، ولا حياة بعدها. ولذا قال تعالى: (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ).
استمتع معناها طلب المتعة، ونالها، فالأقدمون استمتعوا بما أوتوا من حظوظ الدنيا، وجعلوها متعتهم، وقصروا متع حياتهم عليها لَا يطلبون غيرها من متع

الصفحة 3366