كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

وأولئك هم الخاسرون، وقد تأكدت خسارتهم، وفي الكلام قصر، واختصاص أنهم مقصورون على الخسران، فلا فلاح لهم في الدنيا إذ تكون حياتهم يأكلون ويمرحون، ولا فلاح لهم في الآخرة إذ يستقبلهم العذاب المهين.
وقد أشار سبحانه إلى الهلاك الذي نال من سبقوهم فقال تعالى:
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
بعد أن ذكر أمر من سبقوهم، وأنهم جعلوا حياتهم لاهية لَا يقدرون فيها تبعات، ويحسبون أن حياتهم أن يستمتعوا بخلاقهم ولا يقدرون لهذه الحياة ما بعدها، والآن يذكر لهم سبحانه بعض أعيان من كان مثلهم، ممن يسيرون في ديارهم ويرون آثارهم في أرضهم، وعلموا بالتواتر علم اليقين أخبارهم، فقال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ).
الاستفهام هنا إنكاري لإنكار الوقوع، وهو يدل على تأكيد الخبر، وهو بمعنى النفي الداخل على النفي، والمعنى مع التوبيخ والتأكيد: لقد أتاكم نبأ من قبلكم، النبأ: الخبر العظيم الشأن، وهذا خبر عظيم الشأن لمن تأمل مغزاه وما يهدي إليه، وهو نبأ قوم نوح، وكيف كفروا، فأغرقهم الله، ولم ينج إلا قليل هم الذين اتبعوه وآمنوا به، وما آمن إلا قليل، وعاد وقد أهلكتهم الظلة، وثمود، وقد أرسل الله تعالى عليهم ريحًا صرصرأ عاتية، والمؤتفكات، وهي القرى التي بعث فيها لوط عليه السلام، وسميت مؤتفكات، لأنها انقلبت على أهلها، من ائتفك أي انقلب، وقيل هي في سدوم، وقد قال في انقلابها بعد أن أمر لوط وأهله إلا امرأته أن يسري بقطع من الليل، ولا يلتفت منهم أحد: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83).

الصفحة 3368