كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

أما جزاؤهم في الآخرة، فقد ذكره سبحانه وتعالى: (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) والمعنى يسيرون إلى الآخرة حتى يجدوا المأوى الذي يؤويهم، وهو جهنم وفى هذا نوع من التهكم؛ لأن المأوى يأوي إليه الإنسان ليجد فيه المستقر والراحة والاطمئنان، فذكر المأوى في هذا المقام تهكم عليهم كقوله تعالى: (. . . فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيم).
ثم ذم الله تعالى هذا المأوى فقال: (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الذي آووا إليه. اللهم قنا عذاب النار.
لقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان " (¬1) فقول الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان أوضح أوصافهم الكذب والحلف، ولذا تال تعالى:
¬________
(¬1) سبق تخريجه.
(يَحْلِفُونَ باللَّه مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كلِمَةَ الْكُفْرِ وكفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ).
كان المنافقون ينالون بألسنتهم من النبي كثيرا، ولا يكفون ألسنتهم، ويقولون إذا أظهروا الإيمان، إنما نحن نستهزئ بهم، وكان الله يُعْلِم نبيه بأحوالهم وأقوالهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم في لحن أقوالهم، كما قال تعالى: (. . . وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ. . .).
وكانت كلماتهم الفاسقة، تتساقط على مسامع بعض المؤمنين من غير أن يتنبهوا، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب فقال رجل من المنافقين، وزيد بن أرقم بجواره، قال ذلك المنافق: (لئن كان هذا الرجل " أى الرسول " صادقا فنحن شر من الحمير، فقال زيد رضي الله عنه: فهو والله صادق ولأنت شر من الحمار).
كان هذا القول وأشباهه يصل إلى مسامع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وربما يجابههم بهذا الذي ينقل، عندئذ يجدون المطية التي اختاروها، وهي مطية كل كذاب مهين، وهي الحلف بالله تعالى من غير أي حريجة.

الصفحة 3377