كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

ولذا قال تعالى: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) أي طوى نفسه على آلام مستمرة من أولاده الذين كادوا لأخويهم، ومن الحوادث التي باعدت بينه وبين أحبابه، وكظم الغيظ في ذاته ممض، وملق بالبؤس في نفسه، لولا ما امتلأ قلبه بالإيمان، ولولا الرجاء الذي يرجوه، والأمل الذي عاش عليه، والكظم أصله كظم البعير إذا ردها من فرقه.
أجابه أولاده في ذكر آلامه المستمرة
(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) كانت الإجابة غير مخففة لآلامه، بل كانت مؤججة لها، كانت إجابة من لَا يهتم بالأمر في ذاته، والحزين يحتاج إلى من يشاركه في الحزن، لَا إلى من يلومه على حزنه، ويل للشجى من الخلى، والحَرَض هو المريض الذي أشرف على الهلاك أو أذابه الهم والمرض.
والمعنى أنهم يؤكدون بالقسم أنه لَا يزال يذكر يوسف حتى يؤدي به الأمر أن يكون في مرض دائم مستمر يذيب نفسه، وينتهي بالهلاك لَا محالة، و (أَوْ) هنا بمعنى الواو.
قال لأولئك الذين يلومونه على حزنه، وهم سببه، ولا يحسون باهتمام لآلامه، بأنه لَا يشكو حزنه إليهم إنما يشكو حزنه إلى الله
(قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
البث الهم العارض الذي لَا يمكنني الصبر عليه، وينتشر في كل نفسي، ويسدُّ عليَّ أسباب السرور، و (الحزن) ما يكون في النفس من الآلام الدفينة، وقد كان حزنه على يوسف قديما، وبثوا إليه همًّا آخر هو في ولديه شقيق يوسف وكبيرهم، و (إنما) من أدوات الحصر، أي أنه لَا يشكو همومه العارضة، وأحزانه الدفينة إليكم، بل يشكوها إلى اللَّه وحده.
(وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، هذه الجملة تحوي في نفسه كل الرجاء الذي يرجوه والأمل الذي يأمله، وفيه دلالة على أنه يعلم أن اللَّه كاشف كربه، مزيل

الصفحة 3852