كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

أن تقبل، بل من شأنها أن تزجى وتدفع، (فَأَوفِ لَنَا الْكَيْلَ)، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وإيفاء الكيل ليس مترتبا على كون البضاعة مزجاة مدفوعة، إنما أيضا الكيل مترتب على إصابتهم الضر، أي بسبب هذا الضر أوف الكيل مع أن الثمن الذي نقدمه بضاعة مزجاة.
(وَتَصَدّق عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يجزي الْمُتَصَدّقِينَ) أي تصدق بهذا الوفاء وبالزيادة عليه مع أن البضاعة التي جعلناها ثمنا رديئة تُردّ ولا تقبل، (إنَّ اللَّهُ يجزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، فاطلب حب اللَّه، ولا تطلب عوضا منا.
آن ليوسف الصديق الرفيق الشفيق الصالح أن يظهر شخصه مع ما مَنَّ اللَّه تعالى به عليه:
(قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)
الاستفهام هنا تقريري تذكيري، وفيه إشارة إلى شخصه وقد أنكروه ابتداء لانقطاع الخبر، ومرور الزمن، وتفريق ما بين رجل مكتمل وحدث صغير، وقد صار رجلا سويا، كان ذلك توجيها لأن يرجعوا بالبصر كرتينِ، فرجعوه، فتبين لهم أنه يوسف، فقالوا مؤكدين ومتأكدين:
(أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ (90)
وأكدوا أنه يوسف بـ (إنَّ) المؤكدة، وبـ (اللام)، وبـ (أنت)، فقال لهم: (أَنَا يُوسُف وَهَذَا أَخِي) ولم يكن ثمة حاجة إلى التأكيد، لأن التوكيد مظنة الإنكار، ثم يبين نعمة اللَّه عليه وعلى أخيه (وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَليْنَا) قد تفضل اللَّه علينا بمنه وأكرمنا: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أظهر في موضع الإضمار، فلم يقل إن اللَّه لَا يضيع أجرنا، وكان ذلك أولا لوصف عملهم بالإحسان أولا، ولأن الإحسان هو السبب في مَنِّ الله تعالى وعطائه، وثانيا للتعريض بما فعل الإخوة معه، وأنه لم يكن من الإحسان في شيء ثالثا.
يشتد الإحساس بالخطأ إذ أظهرت النتائج غير الحسنة، ولذلك أحسَّ أولئك الإخوة بظلم ما فعلوا فقالوا:
(قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)

الصفحة 3855