كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

قالوا مقسمين على حقيقتين:
الحقيقة الأولى: أن اللَّه آثر بالفضل والإحسان والتوفيق يوسف عليه السلام، فقد أعطاه النجاة من الموت والرق، والسلطان على مصر، خير بلاد الأرض تجاورهم، فكان هو ملكا عزيزا، وهم دونه، وأكدوا أن اللَّه آثره: بـ (اللام)، و (قد)، وبـ (القسم).
الحقيقة الثانية: أنهم أحسوا بأنهم كانوا آثمين، ولذا قالوا: (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئينَ)، (إِن) هي المخففة من الثقيلة وإنه الحال والشأن كنا لخاطئين، والخاطئ هو الواقع في الإثم، أو الخطيئة، وقد أكدوا إثمهم أولا بـ (إنْ) المخففة من الثقيلة، و (كان) الدالة على استمرار خطئهم، و (لام التوكيد) (لَخَاطِئِينَ) وهذا اعتراف خطير بالذنب، وهو أول خطوات التوبة.
ولكن الكريم ابن الكريم، النبي ابن النبي يعقوب، " وما زاد عبد بعفو إلا عزًّا " (¬1)، ويقول:
¬________
(¬1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ ". رواه مسلم: البر والصلة والآداب - استحباب العفو والتواضع (4689)، والترمذي: البر والصلة (1952)، وأحمد: باقي مسند المكثرين (6908).
(لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ... (92)
التثريب، اللوم والتوبيخ، والرمي بالعار، وقد روي عن قتادة أن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، قال: " إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحد ولا تثريب عليها " (¬2)، أي لَا توبيخ ولا رمي عليها بالخزي حتى لَا تصاب بالهوان، فتسهل الجريمة عليها، ومعنى (لا تَثْرِيب عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)، أنه في اليوم الذي بدا نصر اللَّه، وإعزازه لمن كنتم تريدون له الضياع أو الهوان، والرق، فإن ذلك يكفيكم عبرة، وبيانا لسوء مغبة أفعالكم، وأحقادكم، فلا توبيخ أكثر من معرفة النتيجة، ولكن بدل التوبيخ، واللوم محبة الإخوة، ومودة الأهل، ولذا قال بعدها، (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، يطلب من
¬________
(¬2) رواه البخاري: الحدود - لَا يثرب على الأمة إذا زنت (6334)، ومسلم: الحدود - رجم اليهود أهل الذمة في الزنا (3215).

الصفحة 3856