كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 7)

(وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)
الضمير في (عَلَيْهِ)، يعود إلى أنباء الغيب والقرآن، والتبليغ بهذا الدين، وما تسألهم على هذا التبليغ بهذه الأنباء وبالوحدانية، لَا تسألهم أي أجر، فـ (مِنْ) لبيان عموم النفي لَا تسألهم أي أجر من أنواع الأجور، لَا تسألهم رياسة، ولا إمرة ولا شيئا من هذه الأمور الدنيوية، ولقد عرضوا على النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم الأمر والسيادة، وقالوا إن أردت سَوَّدْناك، وعرضوا عليه الأموال، ورضوا بأن يعطوه كل جاه ومال، وأن يتركهم وما يعبدون، ولكنه حَقَّر ما يرضون بجوار ما يدعوهم إليه من التوحيد، وعدم الشرك.
بل قال اللَّه تعالى في رد ما يعرضون (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ للْعَالَمِينَ)، (إِنْ) هي النافية والضمير يعود إلى التبليغ وما يتضمنه من القرآن الكريم، وقصصه الحق الموحى به، ليس هذا إلا تذكير للعالمين، لأهل العقل في هذه الدنيا. ثم بين سبحانه وتعالى أن آيات اللَّه الدالة على وحدانيته كثيرة، فقال تعالى:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
(وَكَأَيِّنْ) بمعنى كم الدالة على كثرة العدد، وعن سيبويه أن (كَأَيِّنْ) هي (أيّ) بالتنوين، ودخلت كاف التشبيه وبنيت معها، فصارت في الكلام في معنى (كم)، ولا يهمنا أصلها النحوي، إنما يهمنا أنها للكثرة في العدد، والآية هي الأمر الدال على قدرة الله تعالى في الكون في السماء والأرض، وعلى قدرته على العصاة، وأماكن هلاكهم بما عثوا وأفسدوا، ورسومهم دالة على هلاكهم، وأن اللَّه بدل بهم غيرهم، ولم يضروه شيئا.
وأنهم ليمرون على هذه الآيات، وهم عنها معرضون غير ملتفتين إلى ما فيها من عبر، فالكون كتاب فيه الدلائل على الوحدانية، والأرض كذلك، وفيها عبر من آثار العصاة.

الصفحة 3868