كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

أحد فرد صمد، وقد خلق كل شيء وقدره تقديرا، فاستعير لفظ الأعمى لمن أعرض عن ذكر ربه وأنكر آياته كأنه لم يرها. وإن فَقْد البصيرة كفقْد البصر على سواء.
ثم قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (إِنَّمَا) أداة من أدوات القصر، أي لا يتذكر إلا أولو الألباب، أي العقول التي تدرك لُبَّ الأمور، وخواصها، وما تدل عليه من غير شائبة تقليد، ولا اتباع لغير المؤمنين، و (أولو) أي أصحاب الألباب، ومعنى التذكر إدراك الآيات، وكأنها لَا تحتاج إلى تعرف جديد، لأن أصلها في الفطرة.
وقد بين سبحانه وتعالى القول في أوصاف أولي الألباب، فقال سبحانه:
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)
هذا هو الوصف الأول من أوصاف المؤمنين أولي الألباب.
يصف اللَّه سبحانه وتعالى المؤمنين بالوفاء بالعهد، وما بعده من أوصاف.
كما قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177).
فالوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، ومن خصال الإيمان، وذلك لأن الوفاء يقتضي أن تصدق النفس في ذاتها وأن تدرك ما يجب في حق النفس، ويشعر المرء بالمعادلة في الحياة بينه وبين الناس، يشعر بحقهم عليه كما يطالبهم بحقه عليهم، ولذا كان علامة من علامات الإيمان. وكان خُلف العهد علامة من علامات النفاق؛ لأن المنافق يحسب أن الناس خلقوا له يستغلهم ولا يعطيهم، يأخذ منهم ولا يقدم لهم.

الصفحة 3929