كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

وإن الصلاة إذا أقيمت لقويت النفس، وناجى المؤمن ربه حق المناجاة، وقرب من ربه، وامتلأت نفسه به، وصار قلبه نورا، وفكره نورا، واستقامت نفسه وقلبه.
الخصلة الثالثة: كما قال تعالى: (وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً)، وقوله تعالى: (مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) معناها: إنفاق بعض ما رزقناهم، أي من حلال مكاسبهم، فالكسب الحلال رزق من اللَّه، وإضافة الرزق إلى اللَّه تعالى يقتضي أولا ما ذكرنا وهو أن يكون حلالا، ويعتبر ثانيا أن المال مال اللَّه تعالى فهو الذي رزق، وما تكلف من إنفاق إنما هو مما أعطاك، فقد أعطاك لتنفق، فهو ابتلاك بالمال لتنفقه وتشكر، وابتلى غيرك بالفقر ليصبر، واللَّه فضل بعضكم على بعض في الرزق.
وقوله: (سِرًّا وَعَلانِيَةً) ولكل حال فضلها، ففضل السر الستر على من يعطيه، وألا يكون تفاخرا، وأن يكون العطاء لوجه اللَّه لَا رياء فيه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من تصدق يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك " (¬1)، وفي العلانية فضل أحيانا كأن تحرض الناس على العطاء، وأن يمنع الاتهام بالشح ليقي نفسه والخصلة الرابعة: بينها سبحانه وتعالى بقوله: (وَيَدْرَءونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ).
(درأ) بمعنى دفع، ومن ذلك قوله تعالى في اللعان: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ).
ودرء السيئة بالحسنة فسرها المفسرون بأنه دفع الإساءة بالإحسان، ومقابلة الحرمان بالإعطاء، والقطيعة بالوصل، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " (¬2)، وقد روي عن ابن عباس أنه
¬________
(¬1) رواه أحمد، وقد سبق تخريجه.
(¬2) رواه البخاري: الأدب - ليس الواصل بالمكافئ (5532). كما رواه الترمذي: البر والصلة (1831)، وأبو داود: الزكاة (1446)، وأحمد: مسند المكثرين (6238).

الصفحة 3935