كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

وينسون في سبيل ذلك كل حق عليهم، ولا يعرفون أن المتعة حق يتبعه واجب، وبذلك تكون متعة لَا يعقبها خير في الآخرة ينالون به نعيما مقيما؛ إذ لم يلتفتوا إلى الآخرة ومما فيها، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) التنكير في (مَتَاعٌ) للتحقير لَا للتكبير، أي الإمتاع نزر قليل، لَا بقاء له، لأنه سرعان ما يزول إذ هو في الدنيا، والدنيا زائلة، ويقول الزمخشري في ذلك: (وخفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئا نزرا يتمتع به كعجالة الراكب، وهو ما يتعجله به من تُميرات، أو شربة سويق أو نحو ذلك) (¬1).
ولقد ذكر اللَّه تعالى في آيات أخر، مثل قوله تعالى: (. . . قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)، وقوله تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، وقوله تعالى:
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56).
وإنهم يتعللون لكفرهم الطاغي بأنهم لم تجئ إليهم آية تثبت رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويطالبون بآية كونية، كالآيات التي جاءت للأنبياء السابقين مستهينين بالآيات المتوالية التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - أو غافلين عنها.
¬________
(¬1) الكشاف: ج 2/ 359.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)
إن هذا من تعنتهم ومحاولة إعناتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وحالهم كحال الأعمى الذي لا يحسن أن يعيش في ضوء الشمس وحرارتها، ويقول لَا توجد شمس ولا دفء، وما العيب إلا في مشاعره التي إيفت، فهو ينكر ما لَا يحس به، طلبوا ملكا رسولا، وطلبوا أن تفجر الأنهار، وغير ذلك من المطالب التي ساقوها، وما هي إلا تعلَّات الكفر والإشراك، ولقد تحداهم القرآن أن يأتوا بمثله أو بعشر آيات من مثله فعجزوا، وكان عجزهم دليلا على أنه من عند اللَّه، ولقد أمر اللَّه سبحانه

الصفحة 3943