كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

وتعالى نبيه أن يرد عليهم بأن الذي دفع إلى طلب هذه الآية هو ضلالهم، وإصرارهم على الكفر والعناد، وقد جاءت هذه الآيات وأشباهها لمن سبقوهم وكفروا وضلوا سواء السبيل، أمر اللَّه نبيه فقال: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ).
(أَنَابَ) رجع، أي رجع إليه، وابتدأ السير في طريق الهداية، فإن اللَّه يأخذه بيده حتى يصل إلى نور ربه، والمعنى: الذين كتب اللَّه تعالى عليهم الضلالة، وهم الذين ساروا في طريق الغواية يكتبهم سبحانه من الضالين فتعمى قلوبهم عن إدراك ما في الآيات من أمارات الحق وهدايته، وإن كانت هي في ذاتها منيرة بينة، أما الذين عادوا إلى ربهم وأنابوا إليه فإنه يهديهم إليه سبحانه وتعالى.
وهذا يفيد أن الذين يريدون آية غير القرآن وغير ما جاء على يديه من خوارق العادات كالإسراء والمعراج إنما يريدون هذه الآية إمعانا في ضلالهم.
وهنا إشارات بيانية نذكرها:
أولاها: التعبير بالمضارع في قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فيها إشارة إلى تكرار قولهم هذا وهم مبطلون.
الثانية: التعبير بالموصول يدل على أن الصلة علَّة الطلب، فكفرهم هو علة طلبهم، أي أنهم سبقوا إلى الكفر فاعتنقوه، ثم حاولوا الاستدلال لتأييده، فما طالبوا ببراءة، طالب الحق بل حكموا أولا وأخذوا يتعنتون لإثبات ما هم عليه ومثلهم كمثل القاضي الذي يحكم ثم يحاول تقديم البينة لإثبات ما حكم به.
الثالثة: أن الهداية تكون لمن فتح قلبه للرجوع إلى اللَّه؛ ولذا عبر بالماضي في قوله: (مَنْ أَنَابَ) أي من فتح قلبه للإنابة إلى اللَّه، فأخذ اللَّه سبحانه وتعالى بيده إلى الحق، والتعبير بالمضارع في قوله تعالى: (وَيَهْدِي إِلَيْهِ)، للإشارة إلى تكرار الهداية بشرطها من غير إجبار على كفر، ولا طاعة، بل الطاعة بالإرادة، ولذا كان الثواب والمعصية بإرادة العاصي؛ ولذا كان العقاب.

الصفحة 3944