كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

وقد قال الزمخشري شيء الكشاف في قوله تعالى: (يضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) قال ما خلاصته: كيف كان قوله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ردا لقولهم: (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ من رَّبِّهِ)؛ فأجاب بأن قوله تعالى يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب كلام جارٍ مجرى التعجب من قولهم، وذلك لأن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يؤتها نبي قبله، وكفى بالقرآن وحده آية، وراء كل آية، فإن جحدوها ولم يعتبروا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط، كان موضعا للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم ما أعظم عنادكم، وما أشد تصميمكم على كفركم، إن اللَّه يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة، فلا سبيل إلى اهتدائكم وإن نزلت كل آية (¬1).
وإن ذلك بيان يليق بمقام الزمخشري في البيان، وإدراك ملامح القول، وهو لا ينافي ما بينا من قبل، وإن زاد معنى التعجب من صلابة تفهم.
وأناب في قوله تعالى: (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) معناها: أقبل إلى الحق، ودخل في توبة الخير؛ لأن أناب معناها اللغوي دخل في التوبة، والمناسب هنا دخوله في توبة الخير.
وقد بين الله تعالى الذين أنابوا من الاطمئنان والإيمان فقال:
¬________
(¬1) المرجع السابق.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
(الَّذِينَ آمَنُوا) بدل أو بيان لقوله تعالى في الآية السابقة: (وَيَهْدِي إِلَيْه مَنْ أَنَابَ)، فهي بدل من قوله: (مَنْ أَنَابَ)، وعلى ذلك يكون محل (الًّذِينَ آمَنُوا)، النصب؛ لأن (مَنْ) حلها النصب، على أنها مفعول به لـ (يَهْدِي)، ويكون قوله تعالى: (وَتَطمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ) الفعل (تَطْمَئِنُّ) يكون معطوفا على (يهْدِي)، ويكون الفعل المضارع معطوفا على مثله، وليس في الكلام السامي عطف مضارع على ماض.

الصفحة 3945