كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
هذا جزاء آخر، غير جزاء الاطمئنان والقرار الذي يختص به المؤمنون دائما، (طُوبَى لَهُمْ) وهي على وزن فعلى كبشرى، وزلفى، وأصلها طيبى، وقعت الياء ساكنة بعد ضمة فقلبت واوا، وقد قال الزمخشري عالم البيان في تصريفها: " وطوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى، ومعنى طوبى لك أصبت خيرًا وطيبًا ومحلها النصب أو الرفع كقولك طيبا لك، وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك ".
وعلى كلام الزمخشري تكون هذه الكلمة السامية تحية من الله تعالى لعباده المؤمنين، وتكون هذه التحية مقررة لهم بأن لهم السلام والاطمئنان، والطيب في إقامتهم في الجنة، بدليل ما جاء معطوفًا عليها، وهو قوله تعالى: (وَحُسْنُ مَآبٍ) أي مَآبٍ، ومرجع ونهاية هي حسنة في ذاتها، ليجتمع لها طيب الإقامة، وحسن الثواب، بل كلاهما من الثواب.
وطوبى، محلها هنا الرفع، بدليل المعطوف عليها، فإنه مرفوع.
وقد ذكر سبحانه وتعالى لاستحقاق هذه التحية المباركة وصفين:
الوصف الأول: الإيمان.
والوصف الثاني: العمل الصالح.
فالعمل الصالح غذاء الإيمان، وإذا لم يكن جف الإيمان، وصار حطاما أو غثاءً أحوى، وإن أساس الخير هو الإذعان للحق، ثم الجهد به، ثم العمل، ثم السير على مقتضى الإيمان في أعمال الحياة، اللهم هب لنا من لدنك رحمة، وهيئ للمسلمين من أمرهم رشدا، وهبهم الاطمئنان إلى ذكرك، وحتى لَا يرهبوا، ولا يفزعوا ولا يطمعوا، واجعل قلوبهم تعمر بك، حتى يجتمعوا، ولا يتفرقوا.
* * *

الصفحة 3947