كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

ويصح أن تقول: إن الإشارة إلى إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو المشبه به، والمشبه هو إرسال الرسل إلى الأمم الأخرى، والمعنى على هذا أن ما تعانيه من إنكار المنكرين في سبيل الحق الذي لَا ريب عاناه من قبلك رسل سبقوك في أمم قد خلت، فاصبر كما صبروا فلا تحسب أن من سبقوك وجدوا أرضا طيبة وقولا ولا كلاما مجابا ولا تسليما سهلا لَا معاناة فيه.
قوله: (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ)، أي أمة الشرك التي قد مضت من قبلها أمم على مثل ما هي عليه من إنكار وجحود ولاقى رسلهم منهم مثل الذي تلاقي من عنت واستهزاء وسخرية، وإيذاء لمن اتبعوك، وفتنة للضعفاء في دينهم، وعناد ومحادة لله ولرسوله، ولأهل الحق؛ ولذلك قال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ)، أي مضت من قبلها أمم.
والغاية من الرسالة التي بعثت بها أن تتلو عليهم القرآن؛ ولذا قال: (لِّتَتْلوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) اللام للتعليل، والمعنى أرسلناك لتتلو عليهم القرآن الذي أوحيناه إليك، والتلاوة القراء المتتابعة المتناسقة في اللفظ والمعنى، ويصح أن تكون بمعنى الترتيل، وقد نقل إلينا القرآن متلوا مرتلا، فلم تثبت روايته هو بذاته فقط، بل تواتر طريق ترتيله، فجبريل الأمين علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ترتيله، كما حفظه القرآن ذاته؛ ولذلك نزل القرآن منجما، ليحفظه النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتلا؛ ولذا قال تعالى في بيات حكمة نزوله منجما: (. . . كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).
ومع هذا الترتيل الذي تذهب به المعاني في النفس حالهم حال إنكار شديد؛ ولذا قال تعالى: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ) وقد نص على كفرهم بالرحمن، وكان التعبير بالرحمن عن الذات العلية مع أنهما اسمان للذات العلية، ولا تتغير الذات بكثرة أسمائها، وإن التعبير بالرحمن لملاحظة الرحمة الشاملة، فهم مغمورون برحمته في وجودهم وكلاءتهم، إذ هو الذي يكلؤهم في السماوات والأرض، ومع

الصفحة 3949