كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 8)

أن نعمه سابقة لهم، ورحمته لهم، كفروا به، والتعبير بالمضارع يفيد استمرار كفرهم وتجدده آنَا بعد آن.
ولقد روى أن العرب كانوا في إيمانهم الناقص بالله سبحانه وتعالى ما كانوا يعرفون إلا لفظ الجلالة، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يملي شروط صلح الحديبية وابتدأه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالوا: الرحمن هو رحمان اليمامة لَا نعرفه قل باسمك اللهم، وقد نزل فيهم: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. . .).
وقد أمر الله تعالى أن يعرفهم بالرحمن فقال تعالت كلماته: (قُلْ هُوَ رَبِّي)، أي هذا الذي يكفرون هو ربى الذي خلقني ورباني وقام على شئوني، فهو الحي القيوم القائم على كل شيء، وهو الله.
(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)، أي عليه وحده توكلت في الدنيا، لأنه هو القائم على كل نفس بما كسبت، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للدلالة على القصر، أي لا أتوكل على غيره، والتوكل لَا ينافي العمل، بل إن التوكل بين أمرين كلاهما باطل، الأمر الأول أن يعتقد أن الأسباب وحدها هي التي تؤثر في النجاح، وينسى قدرته المحيطة بكل شيء، والثاني من الباطل التواكل، وهو أن يهمل الأخذ بالأسباب، بل يأخذ بالأسباب، ويترك الوصول إلى النتائج لله سبحانه وتعالى فهو تعالت قدرته لَا يغفل عن شيء، والقادر على كل شيء (وَإِلَيْهِ مَتَابِ)، (متاب) مصدر ميمي لتاب بمعنى رجع وتقديم الجار والمجرور يفيد الاختصاص، أي أن مرجعي إليه وحده، وله الحساب وحده، وله الثواب والعقاب وحده، لَا شريك له، فالملك اليوم لله الواحد القهار.
وإن المشركين طلبوا آيات: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ من رَّبِّهِ. . .)، وكأنهم لَا يعتدون بما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من معجزة القرآن، وأنه سبحانه وتعالى تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، وبدا عجزهم، وظهر إعجازه، ولم يكن

الصفحة 3950