كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

زينتها، وبهرته ونسي الآخرة، فإنه لَا يحسن عملا، ومن أدرك حقيقتها، وهي أنها ظل زائل، وأنها لهو ولعب، والحياة الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون، فإنه هو الذي يحسن العمل ويستحق الجزاء الأوفى.
وقوله تعالى: (أَحْسَنُ عَمَلًا)، أفعل التفضيل ليس على بابه، والمعنى بلغ أقصى درجات الحسن، أو هو على بابه ويكون الاختبار لتنزيل الناس منا فمن اتجه إلى الخير ناله بقدره، ومن اتجه إلى غيره تردى في منحدر المعصية.
وإن زينة الدنيا تنتهي كما تنتهي الحياة، وتكون غثاء أحوى؛ ولذا قال سبحانه:
(وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
الصعيد التراب: والصعدة الأكمة من التراب، والجُرز بالضم من الجَرز وهو القطع قطع الزرع والثمار، وغيرها، وتطلق الجُرز على الأرض التي لَا نبات فيها ولا شجر، كالصحراء التي لا تنبت. والمعنى في هذا أن اللَّه تعالى خلق الأنواع كلها، فخلق الأرض التي جعلها اللَّه زينة وفيها الخصب والنماء، وأنها تتحول إلى غثاء أحوى، فكذلك يخرج الحي من الميت، والميت من الحي، فليس عجيبا أن يعود الناس أحياء بعد موتهم، فلا غرابة ولا عجب في أن يكونوا ترابا ثم يكونوا من بعد ذلك خلقا جديدا (. . . كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).
قصة أهل الكهف
تصدى القرآن الكريم لبيان أهل الكهف بما لم يتصد به كتاب مقدس، ولا نريد أن نخوض في أمر لم يخض فيه القرآن فلا نريد أن نرجم بالغيب، ولا أن نسير وراء الظنون، والقرآن ليس كتاب تاريخ ولكنه كتاب عظة واعتبار، وكل ما فيه صدق لَا مجال للريب فيه.
أكثر الذين تعرضوا لبيان من هم أهل الكهف يقولون: إنهم من النصارى المؤمنين كانوا في عهد اضطهاد النصارى، فقد كانوا موضع اضطهاد من وقت انتهاء حياة المسيح في الدنيا، وجاءت عصور اضطهاد شديدة كانوا يفرون بدينهم،

الصفحة 4491