كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

الحياة بيد اللَّه تعالى، وهو مانحها، يهبها لمن يشاء، كل هذا من آيات اللَّه، وهي تبصِّر الناس بالحق وتهدي إليه، وإن الآيات البينات كثيرة هادية، ولكن الناس عنها منصرفون (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ)، أي من يسلك سبيل الحق يأخذ اللَّه بيده، ويهديه سواء الصراط، وهو المهتدي حقا وصدقا ولا أحد يضله، (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) ومن يسلك طريق الضلالة فإن اللَّه تعالى يكتبه من الضالين، ولن تجد له من يتولى أمره ويرشده إلى الصراط السوي.
وإنهم في الكهف يبدون أيقاظا وهم نائمون، ولذا قال تعالى:
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
من يراهم بادي النظر يحسبهم أيقاظا، أي يظنهم أيقاظا، والحقيقة أنهم رقود، والأيقاظ جمع يقظ، والرقود جمع راقد، أو هو مصدر وصف به والمصدر الذي يوصف به يلتزم المصدرية، فلا يثنى ولا يجمع، وإن هؤلاء الفتية عندما أصابهم الرقود كانت عيونهم مفتوحة فيظنهم الناظر أنهم أيقاظ ليسوا نائمين، ولأنهم بإرادة اللَّه يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، ويقول تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)، أي يتقلبون بإرادة اللَّه تعالى إلى اليمين وإلى الشمال، وتلك حال من يكونون بين اليقظة والنوم، ويقلبهم اللَّه ذات اليمين وذات الشمال لكيلا تتعفن أجسامهم إذا بقوا على حال واحدة، ولأن أحسن الأحوال للنائم ألا ينام مضطجعا ولا يلتزم جانبا واحدا يمينا أو شمالا، بل يتقلب بينهما، لكيلا تكون الأعضاء الداخلية من كبد وقلب ومعدة على ثقل واحد، بل تتغير أثقالها.
وهم في هذا التقلب الذي يكون كالنائم المعتاد، وما يقوله بعض المفسرين من أنهم كانوا يتقلبون كل سنة أو سنتين أو سنين رجم بالغيب، ولا أساس له من رواية صحيحة ولا نقل عن معصوم.
(وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) و (كَلْبُهُم) بفناء الكهف أو على عتبته باسط ذراعيه، يحس الرائي أنه يحرس قوما أيقاظا، وهكذا كل مظاهر الحياة كانت بادية

الصفحة 4506