كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

التقدير فتنكر البعث أو لَا تهتم به، وتظن ظنا من الإثم والبهتان على اللَّه أنه إن كان بعث فستنال من اللَّه خيرا من هذا.
وإن هذا الغرور النفسي، والطغيان على الناس هو الذي أدى إلى الكفر والإيغال فيه من غير حساب، هذه هي النفس الطاغية التي تسير في طريق الكفر.
أما النفس المؤمنة وهي التي تتمثل في الرجل الآخر الذي هو أحد الرجلين اللذين ضرب بهما المثل، فإنه يتمثل فيها الرجل المؤمن فهي تحس:
أولا - بأن اللَّه هو الخالق، وأنه خلق الإنسان من تراب وأنه الواحد الأحد.
ثانيا - وأنه هو المعطي، والمعطي يستحق الشكر.
ثالثا - والتفويض إلى اللَّه، والإحساس بأن كل شيء عطاء منه بعد اتخاذ الأسباب.
رابعا: وبأنه موضع الرجاء على أن يفوض الأمر إليه، وأن من أعطى يمنع إذا اغتر من أعطاه، ورغب عن طاعته، وأن عليه أن يتذكر المنع عند العطاء، وأن يتذكر حاله إذا فقد النصير وهذا جوابه لما حاوره صاحبه مفاخرا.
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
هذا هو التأكيد الأول يقول له: إنك نسيت خلقك الأول أنشئت من تراب ثم من ماء مهين، ثم كانت أدوارك من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات نطفة في قرار مكين، ثم مضغة ثم عظاما ثم كسونا العظام لحما ثم صرت رجلا سويا، وخلقت ضعيفا في كل أدوارك ثم صرت رجلا غرك الغرور، أشار إلى كل هذا في كلماته الموجزة المشيرة والموضحة، ونبهه إلى أنه كفر بكل هذا في استفهام إنكاري توبيخي، لأنه لإنكار ما وقع منه من كفر بربه الذي خلقه فسواه في أحسن تقويم.
فحاله حال كفر وإنكار للنعمة، وجهل لحقيقة أمره فذكره بذلك كله وأنه بهذا الطغيان والغرور ونسيان البعث وإهماله لطاعات اللَّه تعالى قد كفر باللَّه أشد الكفر.

الصفحة 4531