كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

أعطاك وإن حق النعمة شكرها لَا كفرها ولا التطاول بها، والمفاخرة على غيرك والاعتزاز بها من غير عزة اللَّه سبحانه وتعالى.
ثم أخذ بعد ذلك برد على مفاخرته راضيا راجيا، (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ)، (إِن تَرَنِ) حرف شرط وفعله وجوابه، (فَعَسَى) والفاء داخلة فيه، لأنه فعل طلب للرجاء، و (أَنَا) ضمير الفصل فيه تأكيد لحديث المتكلم عن نفسه، وكان التأكيد لبيان أنه أقل منه في نظره، أي إن ترني أنا في نظرك أقل منك، فإن اللَّه هو الرزاق ذو القوة المتين، لا يمنعه أحد من عطاء يشاؤه، فعسى ربي الذي خلقني وكفلني وقام على شئوني أن يؤتيني خيرا من جنتك التي تفاخر بها وتغتر بها، إني أرجو اللَّه وأرجو ما عنده مؤمنا بأنه هو الذي يعطي ويمنع فإن أعطانا شكرنا، وإن منعنا صبرنا، وهو خير لنا.
وقال: (وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ)، الضمير في (عَلَيْهَا) يرِجع إلى الجنة؛ لأنها المذكورة وحدها في قوله تعالى:
(فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ) والحسبان هو العواصف من السماء التي يطلق عليها مرامي السماء والحسبان الصاعقة، ويطلق على العذاب، ولعل أقرب المعاني هو الصاعقة المحرقة للزرع والشجر والنخيل وغيرهما من أنواع الأشجار المثمرة وغير المثمرة، ويكون المعنى عسى أن يعطيني اللَّه منه خيرا من جنتك، ويرسل على جنتك صواعق من السماء (فَتُصْبِحَ) الجنة خالية من الأشجار (صَعِيدًا زَلَقًا)، أي صعيد أملس لا شجر فيه، ولا ينبت شجرا، ولا كلأ، و (زَلَقًا) هو الذي لَا يثبت عليه قدم وهو كناية عن أنه خال من كل نبات وشجر وهو بلقع لَا ثمر فيه.
هذا هو حسبان السماء لَا يبقي ولا يذر، وعسى أن يجف الماء فلا تنزل صاعقة ماحقة، ولكن يجف الماء، وهو مادة الحياة للنبات، ولذا قال تعالى عن الرجل المؤمن:
(أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)

الصفحة 4533