كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

أى أن ماءها يغور في الأرض ويختفي من سطح الأرض إن كان ماء عيون وآبار، أي على أعماق بعيدة من باطن الأرض فلن تستطيع الحصول عليه، وهذا معنى قوله تعالى: (فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)، أي يتعذر عليك طلبه ولا تجده ولا تجد عوضا عنه، لَا تجد لها سقيا ولا رعيا وحينئذ يجف لك الشجر والزرع ويصير حطاما.
وقد بين سبحانه أن ما توقعه المؤمن صدق، ونزل الدمار بالجنتين فقال تعالى:
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
قوله تعالى: (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) يقال أحاط الجيش بالعدو حتى سد عليه مسالك النجاة، ثم صارت تطلق في اللغة بمعنى الهلاك مجازا مشهورا وأصبح البعير يحاط به بمعنى تعرضه، ولقد قال تعالى في الذين يتعرضون للهلاك، (. . . إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ. . .)، ويكون في الكلام مجاز بالاستعارة شبه
هلاك الزرع هلاكا مستغرقا لم يدع فيه شيئا قائما بذاته بإحاطة الجيش بعدوه واستئصاله بحيث لم يفلت منهم بالنجاة أحد، والجامع في المجاز هو الإحاطة والشمول، وفي هذا المجاز إشارة إلى المغرور بهذه المعاندة كأنه في حرب مع اللَّه سبحانه، وبعد هذه الإحاطة الهلكة المستغرقة لكل الزرع أخذ يعض بنان الندم، وقال اللَّه تعالى في ذلك: (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا) الفاء فاء السببية والعطف المفيد للترتيب والتعقيب، وتقليب الكف كناية عن الإحساس بالندم، وعن الإحساس بالخسارة فهو يقلب كفيه نادما، ويحس بالخسارة في النفقة التي أنفقها، وهكذا المغتر من غير مبرر للغرور يكون في ندم على غروره، وفي حسرة على ما أنفق من مال ذهب هباء منثورا، أو أدراج الرياح، ويتمنى الأماني ويقول: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا)، ليت للتمني، فهو يتمنى أن لم يكن قد أشرك، ونادى (يَا لَيْتَنِي) كأنه ينادي ليت، كأنه يقول: يا (ليت) تعالى فهذا وقتك الذي

الصفحة 4534