كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

وتسيير الجبال تحريكها من أماكنها، وتكسيرها فتكون هذه الأوتاد الشامخة منكسرة متفتتة، كما قال تعالى: (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)، وكما قال تعالى: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)، (وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً)، أي ترى في هذا الوقت صعيد الأرض بارزا، ليس عليه جبال كالأوتاد والأشجار وبرز ما في باطنها من أحجار وفلزات، وبرز ما فيها من القبور، كما قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5).
وهكذا يُنهي الكونَ بارئُه، ويذهب هذه الحياة بانيها، ومن بعد ذلك، وقد أبرز كل شيء خالق كل شيء عندئذ يكون الحشر ولا يغادر منهم أحدا؛ ولذا قال تعالى: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)، أي حشرناهم في ذلك اليوم لَا نترك أحدا، وعبر سبحانه بالماضي لتأكد هذا الحشر، واستعمال الماضي في مقام المضارع لتأكد الوقوع، وعبر سبحانه بالفعل حشر للإشارة إلى جمعهم غير مريدين، أو مختارين، وأنهم جميعا متلاقون الضالون والمضلون، وأنهم بعد ذلك يعرضون على ربهم؛ ولذا قال تعالى:
(وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
أي أنهم في هذا المحشر الذي حشروا فيه لم يكونوا مجهولين، أو أن الازدحام جعلهم غير معروفين، بل إنهم كانوا مع هذا الجمع الحاشد معروفين مميزين عند رب العالمين الذي لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء (أَلا يَعْلَمُ منْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، بل إنهم عرضوا صفا كما يعرض الجنود صفوفا متراصة أمام قائدهم يلقي إليهم أوامر، فكذلك صفهم اللَّه تعالى صفوفا متميزة مقرا لهم بأنه يعلمهم، يذكر اللَّه لهم بلسان ملائكته أو إن حال الموقف كأنهم يخاطبون بالقول: (وَلَقَدْ جِئْتُمونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ

الصفحة 4540