كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

مَرَّةٍ. . .)، أكد سبحانه وتعالى مجيئهم بـ (اللام)، و (قد) وأنهم معاينون وقوله تعالى: (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فيه إشارتان:
الإشارة الأولى - أنهم يجيئون مجردين من كل نسب وحال من أحوال الدنيا التي كانوا بها يتفاخرون من مال ونفر، وهيل وهيلمان وسلطان.
والإشارة الثانية - إشارة إلى قدرة اللَّه الكامل المسيطرة، وأنه أعادهم كما بدأهم، كما بدأكم تعودون، وقوله تعالى: (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا) الإضراب هنا بـ (بَلْ) معناه الإضراب عما كانوا عليه في الدنيا وإثبات الواقع المقرر الذي يرونه، و (زَعَمْتُمْ)، أي ظننتم بزعمكم لَا بالحقيقة الثابتة، (أن) هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، أي أنهم زعموا نفي البعث بنفي أن اللَّه تعالى جعل لهم موعدا يبعثون فيه، ويحاسبون على ما قدموا من خير وشر، وإنه سيجيء معهم كتاب أعمالهم لم يغادر صغيرة ولا كبيرة، وقال تعالى:
(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
(وَوُضِعَ الْكِتَابُ)، أي سجلت الصحف التي كتبت عليها أعمالهم، فلا نقص فيها، ولا محو، بل هي ثابتة حجة عليهم دائمة باقية لَا يناكرون فيها، فالمراد من الكتاب جنس ما يكتب ويقيد عليهم، (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) والفاء للسببية، أي بسبب وضع الكتاب ترى المجرمين الآثمين قد أدركوا آثامهم، وشقت نفوسهم فعلمتها فكانوا مشفقين خائفين مما اشتملت عليه، وأصابتهم الحسرات، وانتهوا لما فرطوا في جنب اللَّه، ونادوا الهلاك إذ لَا مفر منه، وهو نداء الحسرة والألم (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا)، أي يا هلاكنا النازل بنا، كما يقول النادم يا حسرتا، وقد كانوا ينادونها (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ. . .)، وكان ذلك النداء لأنهم رأوا الكتاب لَا يغادر صغيرة ولا كبيرة، (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) ما لهذا الكتاب،

الصفحة 4541