كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
* * *
يبين اللَّه تعالى أن إرسال الرسل للتبشير والإنذر، وأن محاولة الذين كفروا إبطال الحق هو فرار من أن يستمعوا إلى النذير ينذرهم، والبشير يبشرهم، وما ذلك إلا من إمعانهم في الكفر والضلال، ولقد قال تعالى في ذلك:
(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)
" ما " نافية، و " إلا " استثناء، فيكون في الكلام نفي وإثبات، وهذا يفيد القصر، أي ليس إرسال الرسل إلا لتبشير المؤمنين بالزلفى عند اللَّه، ودخول الجنة، وإنذار الكافرين بالبعد عن اللَّه وعن جنته، وإن ذلك كان يوجب الاعتبار، وتفهم ما جاء به الرسل، والإيمان به لأنه خيرهم ومصلحتهم وتهذيبهم، ولكنهم بدل أن يفتحوا عقولهم للتدبر وفقه الأمور، أخذوا يعملون تفكيرهم في رد الحق فهم بمنأى عن شرع اللَّه، كمن يفرض على شيء علما، فلا يتفهمه، ويكون تفكيره في رده، والتحايل على الخروج عنه؛ ولذا قال: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَروا بِالْبَاطِلِ)، يجادلون جدال مماراة، ولذا قال: (بِالْبَاطِلِ)، أي متلبسين في جدلهم بالباطل وتلبسهم بالباطل، لأنهم يدافعون عنه، ولأنهم يثيرون ترابا بهذا الجدل حول الحق، ولأنهم يفكرون في دائرته، وغايته إدحاض الحق؛ ولذا قال: (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)، وأصل الدحض الزلق يقال: دحضت رجله، أي زلقت، ودحضت الشمس عن كبد السماء أي زالت، فكان في الكلام مجاز بتشبيه الحق وقد ثارت حوله المثارات بجدلهم، بمن تزلق قدمه فيسقط وإن ذلك غايتهم وباعثهم، ولكنهم لا ينالونه، وهو مبتغى لَا يصلون إليه، واللام هنا لام التعليل وبيان الباعث.

الصفحة 4549