كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

عقابا يعم، ولا يصيب الذين كفروا خاصة؛ ولذا قال تعالى: (بِل لَّهُم مَّوْعِد لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا) الإضراب في (بل) هو عن نتائج الشرطية السابقة لرد ما بعدها، (لَّهُم مَّوْعِدٌ) وهو أن ينزل بهم العقاب الدنيوي بالجهاد وأن يديل منهم، ثم بعده العقاب الأخروي، وكلاهما له موعد لَا يتقدم، ولا يتأخر، ولا محيص عنه (لَن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا)، أي ملجأ فهو نازل بهم في ميقاته لَا خلاص لهم منه، وأمامهم العبر، يعتبرون بها؛ ولذا نبههم اللَّه تعالى إليها فقال:
(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
القرى المدن الكبيرة أو الدول الكبيرة، والمراد بالقرى ليست الأماكن، إنما أهلها؛ ولذا قال: (أَهْلَكْنَاهُمْ) لضمير العقلاء (لَمَّا ظَلَمُوا)، أي عند ظلمهم، وجعلنا لمهلكهم موعدا، أي مكناهم من أن يرجعوا عن غيهم وضلالهم، (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)، ومَهْلِك مصدر ميمي، وبين أيدينا أخبار الرسل مع أممهم من قوم نوح إلى قوم هود وصالح، وشعيب، وإبراهيم، ولوط.
* * *
موسى - عليه السلام - والعبد الصالح
قال اللَّه تعالى:
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ

الصفحة 4553