كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

ومن المتفق عليه أمران:
أحدهما: أن الاستعاذة ليست جزءا من الصلاة، ولا شرطا لقراءة الفاتحة، كما هو مقرر عند الشافعي، لَا سرا ولا جهرا؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه التزم بها لَا جهرا ولا خفية.
الثاني: أن كلمة " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ليست قرآنا، وإنما استجابة لقول الله تعالى: (فَإذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، وكلمة " أعوذ بالله " هي الكلمة التي يرددها الناس عند الاستعاذة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في الاستعاذة: " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم "، وروى ابن مسعود أنه تعوَّذ بها أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: " يا ابْنَ أمِّ عَبْدٍ، أعوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرجيمِ هكلذ أقْرَانِي جِبْرِيلُ عَنِ اللوح عَنِ القَلَم " (¬1)، وإن هذا النص يستفاد منه أن كلمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هي المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وننتهي من هذا إلى أنها مستحبة وليست واجبة، ولكن إذا قالها أيُسِرُّ أم يجهر؟
الجمهور على أنه يجهر عند الصلاة بها، وقال حمزة: يسرُّ بها، ومن قال إن الاستعاذة تكون بعد القراءة لأن الله يقول: (فَإذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. . .، فالقراءة تسبق الاستعاذة امتثالا لأمر الله تعالى؛ ولكيلا يكون القارئ متغنيا، ولا متلقيا، وليكون في حضرة الله في قراءته وبعدها، ويكون طائعا لله تعالى في كل أحواله.
¬________
(¬1) ذكره بهذا اللفظ القرطبي في مقدمة تفسيره ص 128.

الصفحة 47