كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

الدنيا فما يصيبون من منافع البُدن والذبائح والتجارات، وأما منافع الآخرة، فرضوان اللَّه تعالى، وكذا قال مجاهد راوي التفسير عن ابن عباس، ونقول: إنه سبحانه وتعالى ذكر المنافع بلفظ نكرة، والتعبير بالنكرة يدل على أنها منافع عظيمة، لَا يقدر قدرها ولا تدرك نهايتها للناس، ونرى أن هذه المنافع مادية ومعنوية وعبادية، وهي سنام المنفعة، أما المنافع المادية فتجارات تتبادل بين الأقاليم الإسلامية، فأهل كل إقليم يجلبون معهم من مواردهم ما لَا يكون عند غيرهم، فما عند الهنود من خيرات يفيضون به على غيرهم من المسلمين، وما عند المصريين من خيرات يفيضون به على غيرهم ممن ليس عندهم مثلها أو هو قليل، وتعقد في مواسم الحج الصفقات الاقتصادية وذلك ليس بممنوع، بل هو مطلوب، كما قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ. . .)، وإن ذلك يجيز بل يوجب أن يعقد في موسم الحج الاتفاقات التجارية، ويتخذ من موسم الحج موعدا للدراسات الاقتصادية بين المسلمين، ولقد كانت في مكة الأسواق التجارية مثل عكاظ وذي المجاز، وغيرهما.
أما المنافع المعنوية، فدراسة التعاون الإسلامي من كل النواحي الاجتماعية والحربية والتعاونية والتعليمية ويعمل كل إقليم على التعرف ببقية الأقاليم الإسلامية والتعريف بحاجاته من العلم والحرب، وغيرهما وكذلك يشعر كل إقليم بأنه يعيش في مدن الأقاليم الإسلامية، ولا يشعر بنفرة الانفراد.
أما المنافع الدينية، فهي قضاء النسك الإسلامي في أماكن النسك، وإن المنافع السابقة لَا تخلو من أنها دينية، وأنها تكون عبادة إذا قصد بها وجه اللَّه ورفعة الإسلام، وإيجاد الوحدة الإسلامية وتوثيقها، فالمسلمون جميعا أمة واحدة، وبذلك ينتفع الحاج إلى بيت اللَّه الحرام، وهو مزود بالتقوى والمعرفة والأخوة في اللَّه تعالى.
وقوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (اللَّه) ذكر الله تسبيحه وامتلاء القلب بالإيمان به، والخضوع له، والخشوع،

الصفحة 4973