كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

وقيل: إن هذه الأيام المعلومات هي الأيام المعدودات في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى. . .) ونميل إلى أنها الأيام العشرة، ولقد قيل: إنها الليالي العشر في قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ).
قال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، " الفاء " هنا للإفصاح؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، أي إذا ذبحتموها اذكروا اسم اللَّه تعالى فكلوا منها، فالأكل من الهدْي مندوب، وليس فرضا، ولا ممنوعا، والبائس هو الذي يكون في شدة وبؤس شديد من مرض، أو شدة، أو إجهاد في سفر، والفقير المحتاج، وقد قال العلماء في الهدْي: إن المندوب أن يأكل ما لَا يزيد على الثلث، ويهدي ما لا يزيد على الثلث، ويطعم الفقير المحتاج، وقد يكون ثمة فقر شديد، وحاجة ملحة فيزيد في إطعام البائس الفقير.
وقال تعالى:
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
التفث: الأوساخ والأدران التي تكونت بسبب المنع من الاستحمام، وحلق الشعر، والعانة والإبط، مما يوجبه الإحرام، ويستمر به الشخص محرما، لَا يتناول شيئا مما حرمه اللَّه تعالى، وذلك ليعيش عيشة الفقراء، فيحس بآلام الفقراء، وبؤس المحرومين من زينة الدنيا، وليكون الناس على سواء أمام اللَّه تعالى، وليجيئوا إلى ضيافة الرحمن، كما ولدتهم أمهاتهم، ويخرجوا من الحج، كما ولدتهم أمهاتهم، وقضاء التفث يرمز إليه بحلق الرأس، أو التقصير والاكتفاء بقدر من قص الشعر، وتقليم الأظفار الذي كان ممنوعا بالتحريم.
والتعبير بـ (ثُمَّ) هنا لإفادة التفاوت بين حال المنع بالإحرام، وحال التحلل منه مثوبا مكرما، وحين ذلك يكون نحر الهدْي لمن وجب عليه الهدْي.

الصفحة 4975