كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

والتشبيه الثاني هو أن من يشرك باللَّه فكأنما خر من السماء، وصار كالريشة في مهب ريح الشك والأوهام فيركب من ريح هوجاء ألقته في مكان سحيق عن الحق، والهداية، بل صار ينتقل من ضلال إلى ضلال لَا إرادة له.
والسَّحق التفتيت، والمكان السحيق، أي البعيد يلقى إليه مع بعده فتاتا مقطع الفكر موزع الأهواء، ولا فكر يسير ولا عقل يرشد، وقد قبسنا الكلام في هذين التشبيهين مع التوضيح والتوجيه من كلام الزمخشري، فقد قال: " ويجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركَّب والمفرق فإن كان تشبيها مركبا قال من أشرك باللَّه فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية، بأن صور حاله بصورة من خر من السماء فاختطفته الطير فصيرته مزعا في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة، وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك باللَّه بالساقط من السماء، وشبه الأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به المهاوي المتلفة " اهـ.
ونرى أنه جعله تشبيها واحدا مركبا ومفرقا، ونرى أنه تشبيهان مفرقين أو مركبين، وإن هذا التصوير كما ذكرنا، وكما ذكر الزمخشري هو على ذلك في الدنيا، لبيان هلاك المشرك، وتخطف الأهواء لمداركه ويبين فساد عقله وضلاله، وإنه لَا يكون بالنسبة للدين إلا في حيرة تسيره الأوهام ولا سلطان له على نفسه، وقد قال بعض المفسرين: إن تحقق هذه الحال المبينة بالتشبيه، إنما هي في الآخرة لا في الدنيا. وإننا نرى أن الجميع ممكن بأن تكون هذه حاله في الدنيا والآخرة، وإنه في الدنيا يتردى إلى ضلال الأوهام والأهواء من سماء الإيمان، وفي الآخرة يتردى إلى العذاب الأليم الذي يكون فيه خالدا.
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
الإشارة إلى الحج، والفاصل كان متعلقا بالحج، فقد كان فيه الأمر باجتناب رجس الأوثان، والكذب على اللَّه بقول الزور والأمر بأن تكون الذبيحة للَّه، وأن

الصفحة 4981