كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

(لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
الضمير في (فِيهَا) يعود على الشعائر على أساس أن البُدن وغيرها من هدايا البيت هي الشعائر، على أساس ما يرمز إليه من تكريم البيت، والمعاونة في ضيافته، (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) بدرها وعملها، وصوفها ووبرها ما دامت في حوزتكم (إِلَى أَجَلٍ مسَمًّى)، وهو مدة بقائها في أيديكم إلى أن يحين وقت نحرها في يوم النحر، وفي هذه الحال يكون نسلها لكم، وكل ما يكون لها من نفع، (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، (ثُمَّ) للترتيب والتراخي، والتراخي هنا التراخي الزمني، إن كان ثمة تراخ في الزمن، وهو زمن السير في ميقات الحج إلى محلها العتيق، والتراخي المعنوي، وهو أنها تنتقل من دابة لمنافع دنيوية إلى مرتبة دينية تشعر وتكون من شعائر الرحمن، وتحبس للفقراء في البيت، و (ثُمَّ) مع دلالتها على التراخي تدل على انتهاء الأجل المسمى والغاية التي تنتهي إليها هذه الشعيرة، وهي المكان الذي تذبح فيه (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، أي محل ذبحها ينتهي إلى البيت العتيق، وهو أقدم بيت وأكرمه، وهو المعتق المعصوم من تحكم الملوك وسيطرتهم، فلم يسيطر عليه ملك قط، وما كان من هدم الحجاج الطاغية له مع أنه كان طغيان من لَا يهتم لمناسك اللَّه - لم يكن تسلطا من سلطان ملك، وقد بناه من بعد عبد الملك بن مروان الذي كان الحجاج يعمل له.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
" المنسك " اسم مكان من " نَسَك " وهو مكان العبادة، والعبادة يطلق عليها النسك، وقد اختار اللَّه لأمة محمد البيت الحرام مكانا لنسكها وأداء العبادة في حج البيت الحرام، والإقامة فيما حوله، وأن يكون الذبح، وإطعام الفقراء، (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، أي يذكروا اسم اللَّه تعالى عند ذبحها، شاكرين له نعمته وإذا كان اللَّه تعالى شارع الشرائع قد جعل لكل أمة منسكا هم ناسكوه؛ فذلك لأنه إلهكم أنتم وغيركم إلها واحدًا، فكان للماضين من الأمم

الصفحة 4983