كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

وَالْمعْتَرَّ)، " القا نع " من القناعة، وهو الفقير الراضي الذي لا يسأل الناس إلحافا و " الْمعْتَرّ " افتعل من عَرَّ، وهو الذي يكشف فقره ولا يستره، ويطلب من الناس، ولا يمتنع عن السؤال، والإعطاء لهؤلاء صدقة مبرورة، وقدم عليها أكله هو لكيلا يحسب الناس أنه لَا يصح أن يأكل، (كذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ)، أي أنها مسخرة لكم تقضون عليها حوائجكم، وتنقلكم في هذه الصحراء المحرقة، وكما يقول الناس: الجمل سفينة الصحراء، إنه ينقل الأحمال في الصحراء كما تنقل السفينة الأحمال من إقليم إلى إقليم على متن البحار، وسخرها معناها زللها لكم لتكون في منافعكم، والكاف للتشبيه، أي أن الإبل كما أن اللَّه جعلها من شعائر اللَّه قد سخرها لكم (لَعَلَّكمْ تَشْكُرُونَ)، أي رجاء أن تشكروا اللَّه تعالى على أنعمه التي أنعمها عليكم ولا تكفروها، (. . . لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
وإن هذا كله لخير العباد، ولإعلان المناسك، ولا يعود على ذات اللَّه تعالى العلية منها شيء.
(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
نفَى اللَّه تعالى نفيا مؤكدا، أن يصل إلى اللَّه تعالى منها شيء؛ لأنه واجد الوجود غير محتاج حتى يحتاج إلى لحم البُدن ودماؤها، فإنما يحتاج إلى ذلك من يكون فقيرا إليها، ولا أن تكون مرضاته في لحومها، ولا في دمائها، فإذا كان قد أوجب عليكم نحرها، والتقرب بذبحها، فليس ذلك لأجل رضائه باللحم والدماء، (وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكمْ)، أي يبلغ مبلغ رضاه وقبوله التقوى منكم، فاللَّه سبحانه لَا يرضى بلحم يؤكل ولا تكون مرضاته في دم يهراق، وان كان ذلك، وإنما يبلغ مرضاته وقبوله التقوى، وهذه إشارة إلى أمرين:
الأمر الأول - أن الدم المهراق مطلوب في الحج تذكيرا بفداء إسماعيل.

الصفحة 4988