كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

حتى برز لهم وأجلاهم من ديارهم، وقتل رءوس الفساد فيهم، وغزاهم في خيبر.
و" الكَفُور " هو الذي أشرك وسيطرت عليه الأوهام، وكفر بنعمة اللَّه تعالى وافترى على اللَّه تعالى، فادعى أن اللَّه حرم وما حرم، وأحل وما أحل.
وقد ذكر سبحانه الكُلِّية فقال: (كلَّ خَوَّانٍ كفُورٍ) لعمومهم في الخيانة آحادًا وجماعات، فليس منهم إلا خَوَّان كفُور.
وقال تعالى: (يُدَافِعُ) بصيغة المفاعلة للدلالة على المغالبة بين الحق والباطل، وأن اللَّه معهم في هذه المغالبة.
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
لم يجئ محمد - صلى الله عليه وسلم - للقتال، ولكن جاء للحق والدعوة إليه، ولنصرة الفضيلة، وفضيلته إيجابية وليست سلبية، ودينه إيجابي، وليس بسلبي، وما كان ليستخذي أمام الباطل، بل يقاومه، وإلا عمَّ الفساد، ولذا قال تعالى: (. . . وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، ولقد كان المؤمنون في مكة يؤذَوْن فيصبرون، حتى إذا كانوا في المدينة وكانت لهم قوة حامية أذن لهم في القتال دفاعا عن كيانهم ودينهم، فقال تعالى:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) وعبر سبحانه وتعالى بالبناء للمجهول. . و (يُقَاتَلُونَ)، إشارة إلى أن المؤمنين لم يبتدئوا بالقتال، بل ابتدأ غيرهم عندما كانوا يؤذون المؤمنين، وهموا بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحاطوا بداره ليقتلوه، ولكن اللَّه نجَّاه منهم، كما قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30).
وقد علل اللَّه تعالى الإذن بالقتال: بقوله: (بِأنَّهمْ ظُلِمُوا)، أي بسبب أنهم ظلموا. وانتصار الأمة المظلومة من الظالمين لها أمر يسوغه قانون العدل وقانون الرحمة، فمن الرحمة بالإنسان وقف ظلمه، ورد بغيه عليه، وأن يدافع عن المؤمنين المظلومين كما وعد، ولذا قال سبحانه: (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)،

الصفحة 4991