كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

أي أن اللَّه كالئهم، وقادر وقدرته مطلقة على نصرهم إذا أخذوا في الأسباب، وأعدوا للقتال عدته، وتقدموا بقلوب خاضعة للَّه تعالى مؤمنة به سبحانه، وقد أكد سبحانه وتعالى نصره لهم بـ (إنَّ) وبذكر لفظ الجلالة وهو (اللَّهَ) القادر الغالب، وبتقديم الجار والمجرور (عَلَى نَصْرِهِمْ)، وبـ " اللام " في قوله: (لَقَدِيرٌ)، واللَّه ينصر من ينصره، ويؤيد بالحق المؤمنين، ويخزي الكافرين.
وقد ذكر سبحانه كيف ظُلِم المؤمنون، فقال عز من قائل:
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ)، بيان لظلمهم، إذ إن الخروج من الديار والبعد عن الأوطان في ذاته ظلم، وإذا كان بغيرِ سبب مسوغ أو حق مبرر يكون الظلم، ولذا ذكر هذا الأشَر (¬1) فقال: (بِغَيْرِ حَقٍّ)، أي بغير مبرر إلا أن يكون (ظلما)، لأنه إذا لم يكن يسوغ أو يبرر فهو ظلم لَا محالة وقد أكد ذلك الظلم، وإنه بغير حق، بل لأمر غير الحق (إِلَّا أَن يقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) وهذا من بديع القول ففيه تأكيد المدح بما يشبه الذم، وذلك كقول النابغة الذبياني:
ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفَهم ... بهنَّ فلُولٌ من قِراع الكتائبِ
والمعنى للنص السامي أن هؤلاء المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يكون ما شاهت به عقولهم، وضلت به أفهامهم من إشراك باللَّه تعالى في العبادة، وخضوع للأوهام، فيحسبون قول: (رَبُّنَا اللَّهُ) باطلا وهو الحق، فإنهم ما أنكروه (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. . .)، وقوله تعالى حكاية عن المؤمنين (رَبُّنَا الَلَّهُ) يفيد قصر الربوبية على اللَّه تعالى وحده إذ لَا ربَّ سواه، ولا خالق سواه، ولا معبود بحق سواه.
¬________
(¬1) الأشَر: البَطَر. الصحاح.

الصفحة 4992