كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، هذا قسم من رب العزة جل جلاله، ولذلك كانت " اللام " وكانت " نون " التوكيد الثقيلة، وكان القسم من ذي العزة والجلال أن ينصر من ينصره بأن ينصر دينه ويطيع أوامره، ويجتنب نواهيه، ويكون معليا لكلمة الحق والإيمان، وإنه في مقابل نصره لله ينصره، فاللَّه لَا ينصر من يكون عدوا لله تعالى ولمبادئه ومشركا به أوثانا لَا يضرون ولا ينفعون، وإن من ينصره الله غالب لَا محالة؛ ولذا قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، فينصر من يعمل لإعزاز دينه وهو قوي قاهر قادر على كل شيء، وأكد قوته سبحانه بـ (إِنَّ) الدالة على التوكيد، وبـ " اللام " وبذكر لفظ الجلالة (اللَّهَ)، وبوصفه بالعزة وهي أنه ذو المنعة الغالب القهار.
وإن أولئك الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إن مكنوا في الأرض أقاموا
العبادة الحق، وأصلحوا، ولا يفسدون؛ ولذا قال تعالى:
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
إن الظلم وقع على الذين أخرجوا من ديارهم بحق إلا أن يقولوا ربنا الله، وإن هؤلاء خير البرية ولهم فضل أنهم لَا يشركون بالله، وإنهم ليقولون ربنا الله فيحكمون بوحدة الربوبية ووحدة الخلق ووحدة التكوين، وهم إن تمكنوا من الأرض عمروها، وسادتها العبادة الحق والتعاون في المال والفضيلة.
قال تعالى: (الَّذِينَ)، هذا وصف ثان للذين أخرجوا من ديارهم، وقد صورهم سبحانه مظلومين أُذن لهم بالدفاع عن الحق الذي حملوه، وردع الباطل الذي ظلموا منه، ويصورهم الآن أنهم إن مكنوا في الأرض عمروها، ونشروا فيها الخير والفضيلة، و (إِن مَّكَّنَّاهُمْ)، أي جعلنا لهم مكانا متميزا في الأرض، ودولة قائمة في الأرض يظلها العدل والخير والفضيلة، وقد ذكر الله تعالى أعمالا يقومون بها إن وجدت في جماعة كانت الأمة الفاضلة في الأرض.

الصفحة 4994