كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

(وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
وأشار سبحانه إلى تكذيب فرعون لموسي ولأصحاب مدين الذين بعث فيهم شعيب بالتوحيد، وبالإصلاح الاقتصادي فقالوا له: (. . . ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ. . .).
وبعد أن أشار سبحانه إلى هؤلاء الأنبياء وأقوامهم الذين عاندوا وكفروا وأفسدوا قال سبحانه وتعالى: (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ).
" الفاء " هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، " أمليت لهم " أعطيتهم ملاوة من الزمان وأمهلتهم، ثم أخذتهم أخذا شديدا، فانظر كيف [كان] " نكير " ياء المتكلم محذوفة، فانظر كيف كان نكيري عليهم، فكيف كان قوم نوح كما [أشركوا] أغرقوا، وقوم لوط أهلكوا، وفرعون والملأ معه قد انطبق عليهم البحر، فكانوا من المغرقين.
وعمم سبحانه مآل الجماعات الظالمة، فقال تعالت آياته:
(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
" الفاء " عاطفة على قوله تعالى: (فَأَمْلَيْتُ)، و " كَأَيِّنْ " بمعنى " كم " الخبرية الدالة على الكثرة، والمعنى فكثير من القرى، وهي المدن العظيمة بمعنى القبيلة المجتمعة في المدائن، أو الإقليم، والمعنى كثير من القرى أهلكها اللَّه تعالى بمعنى أهلك أهلها، وأضيف الهلاك إلى المكان؛ لأنه تخرب وتهدم، وسقطت عروشه على جدرانه وخوى، فكأن الهلاك أصابها في المظهر، وإن كان لَا يقع إلا على السكان، وقد ذكر اللَّه سبحانه أن ذلك كان والحال أنها ظالمة، فنسب إليها الظلم، وإن كان من أهلها، وذلك لعموم الظلم في كل ربوعها، وكل كيانها، فأكل أموال الناس بالباطل، وإشراك باللَّه، واعتداء على الضعفاء، وعدم إقامة لأي نوع من

الصفحة 4997