كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

أنواع العدل، فلا عدل في قانون، ولا قضاء، ولا اجتماع، بل فساد في فساد، وقال تعالى: (وَهِيَ ظَالِمَةٌ)، ولم يقل ظالمة، للإشارة إلى أن الهلاك جاءها، والظلم محيط بها لَا تخرج عنه، ولأن في التعبير بالحال يدل على التلبس به؛ ولأن كلمة " هي " لتأكيد الظلم، ففيه تكرار لذكر القرية، ثم قال تعالى: (فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)، " الفاء " عاطفة على (أَهْلَكنَاهَا)، و (خَاوِيَةٌ) بمعنى الخواء والفراغ وبمعنى السقوط، وإن العذاب الذي كان ينزل بأولئك الظالمين الذين أشركوا باللَّه، وعاثوا في الأرض فسادا، كان يجيئهم بصواعق تنزل بهم أو أمطار بحجارة من سجيل، أو نحوها كجعل عالي الأرض سافلها، ومن شأن هذا أن السقوف، وهي العروش المذكورة في الآية تهوي، ثم تتحطم أو تسقط الجدران من بعد على العروش، ولذا نرجح أن يكون تفسير الخاوية بسقوطها متهدمة على العروش.
(وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)، معطوفة على (قَرْيَة)، وتعطيل البئر كناية عن فناء الذين كانوا يردون إليها يستسقون منها، ومعهم نعمهم، وغيرها، ومعنى هذا أنه لم يكن أحد من أهلها يأخذ الماء ليحيى به هو ودوابه، بل ذهب كل ذلك، فتعطلت الحياة والأمواه.
(وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مرتفع ومجصص بالجص مزين، أي أنه تعطل كما تعطلت البئر، وأصبح خاويا لَا ساكن فيه، وقد بناه للزينة والراحة، فذهب وبقي القصر، أو تهدم كالقرية أو في ضمنها، وقد أراده للبقاء.
* * *
في الأرض في الماضين عبرة
قال اللَّه تعالى:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

الصفحة 4998