كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

وقد بين سبحانه وتعالى بعد ذلك أن الرسالة المحمدية مقصورة على الإنذار، وليس عليه أن يؤمنوا، فقال:
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أمر له - صلى الله عليه وسلم -، (قُلْ) يا رسول اللَّه تعالى حاسما لهم: (يَا أَيُّهَا النَّاس) الحظاب للناس كافة، وللمشركين من أهل مكة خاصة، (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مبِينٌ)، (إِنَّمَا) للقصر، والقصر هنا لأنهم طلبوا استعجال العذاب ولضلالهم البعيد، ولاستمكان الغفلة عن الحق في قلوبهم، يقولون للنبي (. . . فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، فيقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر ربه: إن عملي فيكم، ورسالتي إليكم، أني نذير موضح مبين لكم الحق والشريعة، والعذاب أمره إلى اللَّه تعالى وحده، وكذلك الثواب والعقاب إليه وحده، وكل امرئٍ بما كسب رهين، ولذا قال سبحانه:
(فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
" الفاء " تفصح عن شرط مقدر يتبين من الآية السابقة، ومعناه إذا علمتم أني لكم نذير مبين فقط، فإما أن تطيعوا فتكونوا مؤمنين، وإما أن تعصوا فتكفروا بآيات اللَّه تعالى ونعمه، والجزاء يذكر للمؤمنين إيمانا صادقا ويعملون عملا صالحا، والعمل الصالح ذكرناه في موضع أنه الطاعات من أوامر ونواه، والقيام بكل ما هو نافع للناس مرضاة للَّه تعالى، فلا يقصد بنفعهم إرضاءهم، إنما يقصد إرضاء ربهم، فمن يقصد إرضاء الناس فقط قد يرتكب إثما في سبيل إرضائهم.
وسياق الكلام يتجه إلى أن الكلام كلام النبي بأمر ربه يحكيه اللَّه تعالى عنه، وذكر جزاء المتقين بقوله: (لَهُم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ)، المغفرة تنبئ عن رضا اللَّه تعالى عليهم، وهي ذاتها جزاء؛ لأن المؤمن مهما يكن تقيًّا له هفوات وهنات يحس بها في ذات نفسه، وكلما أرهف إحساسه الديني، وكلما هُذِّبت نفسه بالتقوى أحسَّ بهفواته واستكثرها، واستصغر حسناته، ولقد قال اللَّه تعالى لنبيه:

الصفحة 5002