كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ. . .)، وما كان له - صلى الله عليه وسلم - ذنب، ولكن اللَّه تعالى يخبر نبيه بمحبته، إن المغرورين هم الذين يستكثرون حسناتهم، ويستصغرون سيئاتهم، وحالهم هذه قد تجرهم إلى العصيان والوقوع في الشر، وما دام الرجل يستصغر ما فعل من حسنات، فهو لَا يُدل بها، ولا يمنّ على اللَّه، كما حكى عن بعض الأعراب قال: (يَمُنُّونَ عَلًيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا. . .).
والرزق الكريم بعد المغفرة هو دخول الجنة، فهي ذاتها رزق كريم، وفيها كل ما تشتهي الأنفس، وأنهار جارية من تحت أشجارها، وعسل مصفى، وأنهار من خمر لذة للشاربين وحور عين، وغير ذلك، وكل رزق من اللَّه كريم رزق المتقين إياه، وهو رزق سخي طيب، جزاء ما فعلوا من خير، وكفوا أنفسهم عن الأهواء والشهوات، وهو رزق واسع دائم، ونعيم مقيم.
هذا
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ)، أي اجتهدوا في آياتنا لَا لإدراكها ومعرفة ما فيها من حجة وبرهان، بل ليغالبونا فيها ويعاجزونا، أي ليبادلونا المناقشة في إعجازها، ودلالاتها على رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى وحدانية اللَّه تعالى جل وعلا، وقد قال الزمخشري في هذه الآية: " وسعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه، وعاجزه: سابقه؛ لأن كل واحد منهما في طلب عجز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجَّزه، والمعنى سعوا في معناها بالإفساد من طعن، حيث سموها سحرا وأساطير الأولين، ومن تثبيط الناس عنها سابقين، أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم، طامعين في أن كيدهم للإسلام يتم لهم ".
والمرمى في هذا الكلام أن هؤلاء المشركين يجتهدون في آيات اللَّه تعالى متعرفين غايتها ودلالتها لَا بصدق وأمانة وإدراك سليم، بل لغاية، وهي معاجزة المؤمنين، وتحويل الأمر إلى جدل عقيم، يحاولون إعجاز المؤمنين في حجتهم، والمؤمنون يتحدونهم أن يأتوا، وبتحول الأمر إلى مجادلة ضاعت الحقيقة، وتبعثرت في وسط لجاجتهم في القول.

الصفحة 5003