كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

على أصل لكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك وأكثر التمني تصور ما لَا حقيقة له، والأمنية: الصورة الحاصلة في النفس من تمنى شيء.
و" الرسول " هو الذي يوحى إليه بشرع يكون شريعة للناس، و " النبي " لا يكون له شريعة مستقلة، ولكن يشرح بوحي من اللَّه شريعة رسول كالأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى، ولقد ورد في الأثر: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ".
وإن هذه الآية الكريمة تصور كيف يدخل الشيطان في قلب الإنسان، إنه يجيئه من ناحية ما يتمناه، وما يجيء نتيجة لهذا التمني وهي الأمنية، فإذا تمنى ألقى الشيطان بزيفه وتضليله في نفس المتمني، ولو كان رسولا مرسلا أو نبيا يوحى إليه، لكن ما يلقيه الشيطان في نفس النبي أو الرسول ينسخه اللَّه تعالى أي يزيله، ولا يبقي له في نفسه أثرًا، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، وليست إرادة تكف كإرادة الأنبياء.
وهذا قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)، أي إلا إذا قدر لنفسه شيئا يريده ويحبه ويتمناه إلا وجد الشيطان لنفسه الذريعة التي ينفذ منها بوسوسته، فيلقي ما يوسوس في أمنيته ما يتمناه، ولكن النبي له إرادة حاكمة، وفي قلبه نور وهدى، وبهذه الإرادة والنورانية التي قذفها اللَّه في قلبه يزيل بها الله تعالى ما وسوس به الشيطان، ثم يحكم اللَّه آياته، أي ينزلها محكمة لَا ريب فيها، وهدى للعالمين، واللَّه سبحانه وتعالى عليم حكيم، يعلم كل شيء ويدبره.
ويذكر بعض علماء الأثر قصة الغرانيق العلا الذي ادُّعيَ فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُحِر، وقال عن اللات والعزى: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، فهي قصة باطلة كاذبة مهما يكن راويها، ومنزلته في الرواية، فتصديقها يؤدي إلى الطعن في الرسالة المحمدية، وتكذيب راوٍ في قصة مهلهلة خير من تكذيب الرسالة والرسول، ومن يقبلها فهو في غفلة لَا يلتفت إليه، ويجب أن ننبه هنا إلى أمرين:

الصفحة 5005