كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

وهكذا أكثرت الآيات التي طالبت بالعفو مع القصاص، فكان القصاص سائغا، والعفو والتسامح والصفح مندوبا إليه، كما قال تعالى (. . . فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، ولذا كان ختم الآية بالعفو والغفران له موقعه، وهو من الأسلوب الحكيم الذي لَا يعلو إليه متكلم في الأرض، فهو يحث على العفو كما حثت الآيات الأخر، وهو يبين أن حرب الإسلام العادلة يؤثر اللَّه فيها الصفح من أهل الإيمان ما كان سبيل إليه، إذ إنها ليست للانتقام، وإلا تكررت الحروب، فهذا الفريق يقتصُّ، ثم الفريق الآخر يبغي، ويتوالى القصاص والبغي، وفتح باب العفو يغلق باب الحرب، ما دام الحق يمكن إقامته بغير توالي القتال، القتال عادلا، أو باغيا.
وقد صور اللَّه تعالى دفع الباطل بالحق، وكون النصر والقتال له يكون دولة بإيلاج الليل في النهار، فقال تعالى:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)
الإشارة إلى نصر اللَّه لمن يبغى عليه بعد أن دافع عن نفسه، والولوج الدخول في مضيق كما جاء في قوله تعالى: (. . . حتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. . .)، وجاء في المفردات قوله تعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) تنبيه على ما ركب اللَّه عز وجل العالم من زيادة الليل في النهار، وزيادة النهار في الليل، وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها.
والمعنى أن هذا تنبيه لاختلاف مدار الأرض حول الشمس، وقربها أو بعدها بجعلها قريبة نسبيا بقدر ضئيل، فيطول النهار، وبعيدة نسبيا بمثله فيطول الليل، وكل شيء عند ربك بمقدار، وهو الكبير المتعال المالك لكل شيء، والمسير للكون بإحكام، وبنواميس لَا تتخلف، كما اختار العزبز الحكيم العالم بكل شيء (وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) " أن " معطوفة على (بِأَنَّ اللَّهَ يولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ) إلى آخره،

الصفحة 5015