كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

(وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ) لما يجري في الكون، يعلم علم من يسمع، و (بَصِيرٌ) يعلم علم من يبصر لا يغيب عنه شيء في السماء ولا في الأرض.
ويسأل سائل هنا: لماذا ذكر سبحانه وتعالى ذلك في هذا الموضع من نصره سبحانه وتعالى لمن بُغي عليه؟، وأنه سبحانه وتعالى يعفو عمن يترك ما يؤذيه إليه سبحانه، ويغفر له؟ والجواب عن ذلك أن اللَّه تعالى ذكر أمرين أو أشار إليهما: الأمر الأول - أن اللَّه سبحانه ينصر من بُغي عليه وأكد سبحانه وتعالى نصره، بالتوكيدات التي ذكرناها في موضعها.
والأمر الثاني - أن اللَّه تعالى يندب إلى العفو والتسامح عند القصاص، وفي هذا النص السامي الكوني يشير سبحانه إلى أنه يجعل النصر والهزيمة دولة بين الناس، والقوة والضعف دولة بين الناس كما يجعل الليل يدخل في النهار، والنهار يدخل في الليل، فيزاد هذا تارة وينقص أخرى، فعلى الدولة المنتصرة أن تذكر أنها قد تنهزم، فلا تغالي في القصاص، بل تفتح زاوية للمعروف من العفو والتسامح.
وبذلك يدعو الإسلام إلى أن لَا تكون الحروب الإنسانية قاطعة مانعة لكل سلام، بل يجب أن يشع نور السلام في وقت الحروب العادلة، إلا أن يكون العدو شرسا كاليهود أعداء الإنسانية.
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
الإشارة إلى معنى الآية السابقة من نصره سبحانه لمن بُغي عليه مع دعوته إلى العفو إذا كان له موضع، ويفتح باب السلام ولا يغلقه، ما لم يكن مطمعا للباطل في الحق، أي كان ذلك بإجازة القصاص مع فتح الباب بالعفو، (بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، أي بسبب أن اللَّه هو الحق، واللَّه تعالى هو الحق لأنه منشئ الكون، وناصر الحق والداعي إليه، وهو المعبود الحق الذي لَا إله غيره؛ ولذا وصف بأنه

الصفحة 5016