كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

الحق، وأنه هو الخالق الحق، والواحد في ذاته وصفاته، والمعبود بالحق، لذلك أخبر عنه بأنه الحق، والتعبير بقوله: (هُوَ الْحَقُّ) يفيد القصر، أي أنه لَا حق غير اللَّه، فكل ما عداه باطل، لأنه إلى فناء.
(وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ)، أي ما يعبدون من آلهة غيره باطلة؛ لأنها لا تضر ولا تنفع، وليس لها من وجود في ذاتها، إذ هي جماد، لَا يتحرك إلا إن تحرك.
(وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ) الذي لَا يساميه موجود، ولا يناهده أحد، إذ الجميع خلقه، وهو القاهر فوق العباد، وهو (الْكَبِيرُ)، فهو واجب الوجود المطلق، وكل شيء يستمد منه وجوده فهو وحده الكبير، والنص السامي يدل على انحصار العلا والكبر بذاته وصفاته فيه وحده، ودل على اختصاصه بذلك التعبير بقوله (هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) تعريف الطرفين فإنه يدل على القصر، فكان العلاء والكبرياء مقصورين عليه وحده، إذ كل مخلوق سواه مستمد وجوده منه، ووجوده غير باق، فهو سبحانه الباقي وحده، وهو وحده واجب الوجود.
وبين سبحانه نعمه على خلقه، فقال عز من قائل:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
(أَلَمْ تَرَ)، الاستفهام هنا للتنبيه، وقد جاء على صيغة الاستفهام الإنكاري الدال على نفي الوقوع، وهو داخل على " لم " النافية ونفي النفي إثبات، والمعنى لقد رأيت بنظرك وعلمك (أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)، والسماء هنا ما علاك، فليست أجرام السماء من شمس وقمر وكواكب في أبراجها، وتماسكها، إنما المطر ينزل من سحاب قريبة دانية أو بعيدة قاصية، وذلك بينه قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ

الصفحة 5017