كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44).
فهذا النص الكريم يوضح نزول المطر من السحاب المتكاثف بقدرة اللَّه تعالى وما كانت لتدرّه إلا بأمر اللَّه، وإنه ينزل المطر إلى الأرض لتعمل أيدي الزراع فتبذر البذور وترجو الثمار من الرب، وتخضر الأرض، ولذا قال تعالى: (فتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً)، " الفاء " عاطفة، وهي للتعقيب، وبظاهر اللفظ يكون الاخضرار عقب نزول المطر بلا تراخ في الزمن، وكيف يكون وثمة تراخ بإنبات البذر وظهور عيدانه، وصيرورة الأرض مخضرة؟ والجواب عن ذلك أن التراخي في أعمال العباد، وليس من اللَّه، بل إن إرادة الله لَا تراخي فيها، إنما هي أن يقول كن فيكون؛ ولأن التعبير بـ " الفاء " التي تفيد الفورية فيه تنجيه إلى عجائب الله في الخلق والتكوين، إذ يكون من التلاقح بين الماء والأرض اليابسة نبات مخضر تزدان به الأرض، وتكون ذات منظر بهيج، وقد وصف سبحانه الأرض بأنها مخضرة إذ اختفت طينتها، ولم تبد إلا خضرة زرعها، والاخضرار للزرع لَا لها؛ ولكن لأنه فيها سنح أن توصف هي بالاخضرار باعتبار ما فيها، ولأنه صار لها كسوة باهرة زاهرة.
وختم اللَّه تعالى الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، أي لطيف بعباده عليم علما دقيقا علم خبرة بما ينفعهم ويقوم به عيشهم، فيوفقهم له.
وجملة (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، في مقام التعليل لإنعامه بهذه النعم الكثيرة المتوالية نعمة تلو أخرى.
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
هذه الجملة في مقام التعليل للآية السابقة، أي أن اللَّه ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض اليابسة مخضرة تكون بهجة للناظرين؛ لأن اللَّه تعالى (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)، وله ما فيها، وهو سبحانه وتعالى غني عن عباده، فهو

الصفحة 5018