كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

ذكر اللَّه تعالى في الآيات السابقة أن اللَّه تعالى هو الذي يحكم بين الكافرين والمؤمنين فيما خالفوا فيه، ويحكم بين الكافرين صت أهل الكتاب فيما يختلفون فيه فيما بينهم، وكل باطل، بعد هذا الذي ذكره سبحانه بالعبارة وبالإشارة ذكر أنه حكم عالم لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فقال عز من قائل:
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70).
(أَلَمْ تَعْلَمْ) معناها: قد علمت، وبينا كيف استخلص ذلك المعنى السامي، الاستفهام الإنكاري الداخل على فعل منفي، وسياق القول: قد علمت يا محمد علما مؤكدا يقينيا (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) من عقلاء وأناس مكلفين، وما مكَّن لهم فيهما، وماذا فعلوا فيما سخر لهم، فإذا كان هو اللَّه الذي يحكم بينهم فحكمه هو الفصل، وهو خير الفاصلين، وإنه مع علمه سبحانه المحيط، قد سجل ذلك في كتاب وهو اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لَا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وقد بين اللَّه تعالى الحكم والإحصاء في كتاب سهل يسير على اللَّه تعالى، فقال تعالت كلماته: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير)، أي سهل لَا يحتاج إلى معاناة من اللَّه العلي الكبير، بل إنه سهل عليه سبحانه، وإن الحكم الفاصل يقع منه في ساعات أو لحظات.
هذا هو الحق، وإنه سيلاقيهم يوم يعلم كل إنسان ما قدمت يداه، ولكن المشركين في عماء عن الحق؛ ولذا قال تعالت كلماته:
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
الضمير في (وَيَعْبُدُونَ) يعود إلى الكافرين الذين سيطرت عليهم الأوهام والأهواء والتقليد، فيعبدون ما لم تنزل به حجة ترشدهم إلى عبادته، والسلطان في قوله: (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)، أي حجة نقلية نزلت من عند اللَّه تعالى، وسميت سلطانًا؛ لأنها تكون قوة تجعل لمن نزلت له قوة تجعل ما عنده قويا

الصفحة 5026